نيويورك ــ الانتخابات حدث محفوف بالمخاطر دوما في البلدان التي تشهد تراجعا عن الديمقراطية. كان هذا واضحا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تركيا ــ التي وُصِـفَـت بأنها "حرة ولكنها مُـغـرِضة". على نحو مماثل، عندما يتوجه البولنديون إلى صناديق الاقتراع هذا الخريف، ستكون الديمقراطية ذاتها على المحك.
وعلى هذا فإن حزب القانون والعدالة يسير على خُـطى كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي لم يعد من الممكن اعتبار دولته ديمقراطية، حتى برغم أنها لا تزال ملتحقة بعضوية الاتحاد الأوروبي. الفارق هنا هو أن زعيم بولندا الفعلي، ياروسواف كاتشينسكي، ترك الرئاسة لشخص آخر ــ أندريه دودا ــ وبهذا عمل على حماية نفوذه من التدقيق الشديد.
قد تنجح هذه التكتيكات في بولندا، تماما كما نجحت في تركيا والمجر. أثناء رحلة قمت بها مؤخرا إلى بولندا، صُـدِمـت من نبرة الخطاب العام السامة الـمعادية لأوروبا أحيانا ــ والمعادية على وجه الخصوص لألمانيا.
في النهاية، لن يقرر مستقبل بولندا السياسي سوى ناخبيها. لكن هذا ليس سببا للشعور بالرضا من جانب المجتمع الدولي، وخاصة الديمقراطيات في العالَـم. ذلك أن الحكم السلطوي التام الأركان من شأنه أن يُـلـحِـق بالغرب أضرارا لا حصر لها في حين تستعر نيران الحرب في الجوار.
في وجود حكومة بولندية تتحاشى الديمقراطية، وتهدر حكم القانون، وتقوض الوحدة الأوروبية، تزداد جرأة القوى الرجعية المناهضة لليبرالية في أماكن أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث يقود دونالد ترمب المجال الجمهوري قبل الانتخابات الرئاسية التالية في العام المقبل.
At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.
Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.
Subscribe Now
قد يُـفضي انتصار آخر يحققه حزب القانون والعدالة أيضا إلى إضعاف موقف بولندا باعتبارها حصنا ضد مخططات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الإمبريالية. منذ أطلقت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا العام الماضي، وَفَّـرَت بولندا الملاذ لملايين اللاجئين وعملت كقناة رئيسية للإمدادات العسكرية الغربية التي تتدفق إلى القوات المسلحة في أوكرانيا. يتعاطف البولنديون مع محنة اللاجئين، التي تذكرهم بالهمجية التي عانوا منها على أيدي النازيين، بما في ذلك تدمير وارسو بأوامر من هتلر (في حين كان الجيش الأحمر، بأوامر من ستالين، يجلس على الضفة المقابلة من نهر فيستولا ويراقب).
الحق أن حكومة حزب القانون والعدالة تستحق أعلى درجات الثناء لموقفها الداعم لأوكرانيا، والذي يتناقض بشكل صارخ مع موقف حكومة أوربان، "المجر للمجريين"، فضلا عن احتضانها الغريب للرئيس الروسي بوتن. لكن التزامها بهذا النهج قد لا يكون بلا حدود. في محاولة واضحة لتأمين أصوات المزارعين، أعلنت حكومة حزب القانون والعدالة في إبريل/نيسان منع استيراد الحبوب الأوكرانية، وإن كان من الواجب أن نذكر هنا أن بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا قررت أيضا حظر الواردات من الحبوب الأوكرانية، وجميعها فعلت ذلك بمباركة الاتحاد الأوروبي.
لحسن الحظ، تتمتع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ببعض النفوذ، والذي يمكنهما استخدامه لمنع بولندا من تهديد أسس نظام ما بعد الحرب الباردة، بما في ذلك اعتماد بولندا الواضح على منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتأمينها، وعلى الاتحاد الأوروبي لتزويدها بالدعم المالي. يجب أن يتبنى الاتحاد الأوروبي نهجا بناء وحازما في ذات الوقت في التعامل مع الحكومة البولندية، مدعوما بإنفاذ شرط سيادة القانون الذي فُـرِض على الدعم الدبلوماسي والمالي المقدم لكل من بولندا والمجر العام الماضي. وقد حَـجَـبَ الاتحاد الأوروبي بالفعل مليارات اليورو التي كان المفترض أن تذهب إلى بولندا.
علاوة على ذلك، فرضت محكمة العدل الأوروبية غرامة يومية ضخمة على بولندا ــ والتي جرى تخفيضها مؤخرا من مليون يورو (1.07 مليون دولار أمريكي) إلى 500 ألف يورو ــ بسبب رفضها الامتثال لمطالب الاتحاد الأوروبي بتعديل الإصلاحات القضائية التي أقرتها في عام 2019، والتي قضت محكمة العدل الأوروبي بأنها تنتهك قانون الاتحاد الأوروبي. يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يدعم هذا الحكم بقدر أعظم من القوة المؤسسية والمالية. إن استعادة الاستقلال القضائي ليست أمرا قابلا للتفاوض.
لا شك أن القيم الديمقراطية والإنسانية ــ القيم التي يقاتل الشعب الأوكراني الآن من أجلها، بتكلفة غير عادية ــ تقع في صميم النظام الأوروبي بعد الحرب الباردة. ما يدعو إلى التفاؤل أن المجتمع المدني البولندي لا يزال قويا، حيث تقود الأجيال الشابة ــ الشباب في العشرينات والثلاثينات من العمر ــ على نحو متزايد الكفاح ضد عمليات النهب والسلب التي يمارسها حزب القانون والعدالة. وهم ملتزمون بمنع المزيد من التراجع عن الديمقراطية والتمسك بالقيم الأوروبية، حتى وإن كان كاتشينسكي لا يتمسك بها. وهم يستحقون قدرا أكبر من الدعم من جانب حلفائهم الغربيين.
تتمتع الجالية البولندية المغتربة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بوضع فريد يسمح لها بتقديم المساعدة، جنبا إلى جنب مع المجتمع الدولي الأرحب. تقاتل المنظمات غير الحكومية البولندية الشجاعة ــ مثل "Women’s Strike" ــ على الخطوط الأمامية للدفاع عن حقوق النساء، التي تتعرض لتهديد مباشر من جانب حزب القانون والعدالة. يجب علينا أن نعمل على تضخيم أصوات هذه المنظمات، وكذا صوت مجتمع الميم المهدد على نحو متزايد في بولندا.
يتعين على البولنديين اليوم أن يحملوا ذات الراية التي حملها عمال أحواض بناء السفن في جدانسك الذين أفضى إضرابهم في عام 1980 إلى إنشاء نقابة تضامن التجارية والحركة الاجتماعية المناهضة للاستبداد، التي أسقطت في نهاية المطاف الحكم الشيوعي في أوروبا الوسطى في عام 1989. ولكن يتعين على أصدقاء بولندا أيضا أن يدعموا البولنديين الذين يجسدون هذه الروح. ففي غياب التضامن، قد تخسر بولندا ديمقراطيتها.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
US President Donald Trump’s import tariffs have triggered a wave of retaliatory measures, setting off a trade war with key partners and raising fears of a global downturn. But while Trump’s protectionism and erratic policy shifts could have far-reaching implications, the greatest victim is likely to be the United States itself.
warns that the new administration’s protectionism resembles the strategy many developing countries once tried.
It took a pandemic and the threat of war to get Germany to dispense with the two taboos – against debt and monetary financing of budgets – that have strangled its governments for decades. Now, it must join the rest of Europe in offering a positive vision of self-sufficiency and an “anti-fascist economic policy.”
welcomes the apparent departure from two policy taboos that have strangled the country's investment.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
نيويورك ــ الانتخابات حدث محفوف بالمخاطر دوما في البلدان التي تشهد تراجعا عن الديمقراطية. كان هذا واضحا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تركيا ــ التي وُصِـفَـت بأنها "حرة ولكنها مُـغـرِضة". على نحو مماثل، عندما يتوجه البولنديون إلى صناديق الاقتراع هذا الخريف، ستكون الديمقراطية ذاتها على المحك.
منذ وصوله إلى السُـلطة في عام 2015، دأب حزب القانون والعدالة الشعبوي البولندي على ممارسات تسييس السلطة القضائية، والتضييق على منظمات المجتمع المدني، والعمل بلا هوادة على إخراج وسائل الإعلام المستقلة من العمل. واستفاد الحزب من سياسات الخوف والشكاوى، فحرض الناخبين في المناطق الحضرية ضد الناخبين الريفيين، وروج لنسخة أسطورية من التاريخ البولندي.
وعلى هذا فإن حزب القانون والعدالة يسير على خُـطى كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي لم يعد من الممكن اعتبار دولته ديمقراطية، حتى برغم أنها لا تزال ملتحقة بعضوية الاتحاد الأوروبي. الفارق هنا هو أن زعيم بولندا الفعلي، ياروسواف كاتشينسكي، ترك الرئاسة لشخص آخر ــ أندريه دودا ــ وبهذا عمل على حماية نفوذه من التدقيق الشديد.
قد تنجح هذه التكتيكات في بولندا، تماما كما نجحت في تركيا والمجر. أثناء رحلة قمت بها مؤخرا إلى بولندا، صُـدِمـت من نبرة الخطاب العام السامة الـمعادية لأوروبا أحيانا ــ والمعادية على وجه الخصوص لألمانيا.
في النهاية، لن يقرر مستقبل بولندا السياسي سوى ناخبيها. لكن هذا ليس سببا للشعور بالرضا من جانب المجتمع الدولي، وخاصة الديمقراطيات في العالَـم. ذلك أن الحكم السلطوي التام الأركان من شأنه أن يُـلـحِـق بالغرب أضرارا لا حصر لها في حين تستعر نيران الحرب في الجوار.
في وجود حكومة بولندية تتحاشى الديمقراطية، وتهدر حكم القانون، وتقوض الوحدة الأوروبية، تزداد جرأة القوى الرجعية المناهضة لليبرالية في أماكن أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث يقود دونالد ترمب المجال الجمهوري قبل الانتخابات الرئاسية التالية في العام المقبل.
Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.
Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.
Subscribe Now
قد يُـفضي انتصار آخر يحققه حزب القانون والعدالة أيضا إلى إضعاف موقف بولندا باعتبارها حصنا ضد مخططات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الإمبريالية. منذ أطلقت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا العام الماضي، وَفَّـرَت بولندا الملاذ لملايين اللاجئين وعملت كقناة رئيسية للإمدادات العسكرية الغربية التي تتدفق إلى القوات المسلحة في أوكرانيا. يتعاطف البولنديون مع محنة اللاجئين، التي تذكرهم بالهمجية التي عانوا منها على أيدي النازيين، بما في ذلك تدمير وارسو بأوامر من هتلر (في حين كان الجيش الأحمر، بأوامر من ستالين، يجلس على الضفة المقابلة من نهر فيستولا ويراقب).
الحق أن حكومة حزب القانون والعدالة تستحق أعلى درجات الثناء لموقفها الداعم لأوكرانيا، والذي يتناقض بشكل صارخ مع موقف حكومة أوربان، "المجر للمجريين"، فضلا عن احتضانها الغريب للرئيس الروسي بوتن. لكن التزامها بهذا النهج قد لا يكون بلا حدود. في محاولة واضحة لتأمين أصوات المزارعين، أعلنت حكومة حزب القانون والعدالة في إبريل/نيسان منع استيراد الحبوب الأوكرانية، وإن كان من الواجب أن نذكر هنا أن بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا قررت أيضا حظر الواردات من الحبوب الأوكرانية، وجميعها فعلت ذلك بمباركة الاتحاد الأوروبي.
لحسن الحظ، تتمتع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ببعض النفوذ، والذي يمكنهما استخدامه لمنع بولندا من تهديد أسس نظام ما بعد الحرب الباردة، بما في ذلك اعتماد بولندا الواضح على منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتأمينها، وعلى الاتحاد الأوروبي لتزويدها بالدعم المالي. يجب أن يتبنى الاتحاد الأوروبي نهجا بناء وحازما في ذات الوقت في التعامل مع الحكومة البولندية، مدعوما بإنفاذ شرط سيادة القانون الذي فُـرِض على الدعم الدبلوماسي والمالي المقدم لكل من بولندا والمجر العام الماضي. وقد حَـجَـبَ الاتحاد الأوروبي بالفعل مليارات اليورو التي كان المفترض أن تذهب إلى بولندا.
علاوة على ذلك، فرضت محكمة العدل الأوروبية غرامة يومية ضخمة على بولندا ــ والتي جرى تخفيضها مؤخرا من مليون يورو (1.07 مليون دولار أمريكي) إلى 500 ألف يورو ــ بسبب رفضها الامتثال لمطالب الاتحاد الأوروبي بتعديل الإصلاحات القضائية التي أقرتها في عام 2019، والتي قضت محكمة العدل الأوروبي بأنها تنتهك قانون الاتحاد الأوروبي. يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يدعم هذا الحكم بقدر أعظم من القوة المؤسسية والمالية. إن استعادة الاستقلال القضائي ليست أمرا قابلا للتفاوض.
لا شك أن القيم الديمقراطية والإنسانية ــ القيم التي يقاتل الشعب الأوكراني الآن من أجلها، بتكلفة غير عادية ــ تقع في صميم النظام الأوروبي بعد الحرب الباردة. ما يدعو إلى التفاؤل أن المجتمع المدني البولندي لا يزال قويا، حيث تقود الأجيال الشابة ــ الشباب في العشرينات والثلاثينات من العمر ــ على نحو متزايد الكفاح ضد عمليات النهب والسلب التي يمارسها حزب القانون والعدالة. وهم ملتزمون بمنع المزيد من التراجع عن الديمقراطية والتمسك بالقيم الأوروبية، حتى وإن كان كاتشينسكي لا يتمسك بها. وهم يستحقون قدرا أكبر من الدعم من جانب حلفائهم الغربيين.
تتمتع الجالية البولندية المغتربة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بوضع فريد يسمح لها بتقديم المساعدة، جنبا إلى جنب مع المجتمع الدولي الأرحب. تقاتل المنظمات غير الحكومية البولندية الشجاعة ــ مثل "Women’s Strike" ــ على الخطوط الأمامية للدفاع عن حقوق النساء، التي تتعرض لتهديد مباشر من جانب حزب القانون والعدالة. يجب علينا أن نعمل على تضخيم أصوات هذه المنظمات، وكذا صوت مجتمع الميم المهدد على نحو متزايد في بولندا.
يتعين على البولنديين اليوم أن يحملوا ذات الراية التي حملها عمال أحواض بناء السفن في جدانسك الذين أفضى إضرابهم في عام 1980 إلى إنشاء نقابة تضامن التجارية والحركة الاجتماعية المناهضة للاستبداد، التي أسقطت في نهاية المطاف الحكم الشيوعي في أوروبا الوسطى في عام 1989. ولكن يتعين على أصدقاء بولندا أيضا أن يدعموا البولنديين الذين يجسدون هذه الروح. ففي غياب التضامن، قد تخسر بولندا ديمقراطيتها.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali