pei80 Getty Images

منطقة آسيا والمحيط الهادئ في عهد شينزو آبي

كليرمونت، كاليفورنيا ــ مضى أكثر من عام منذ استقال شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان الأطول خدمة على الإطلاق، بسبب المرض. وقد جاء خليفته يوشيهيدي سوجا ثم ذهب. لكن الإبداعات المؤسسية التي قادها آبي ــ وبالتحديد الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP) ومنتدى الحوار الأمني الرباعي ــ يبدو أنها من المرجح أن تشكل المشهد الجيوسياسي لفترة طويلة قادمة.

عمل آبي بلا كلل أو ملل لإبرام الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ، بعد أن نسف ترمب فعليا الاتفاقية السابقة لها (اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ) بسحب الولايات المتحدة منها. تضم الاتفاقية التي أحياها آبي حاليا 11 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والتي يقرب مجموع ناتجها الاقتصادي من 14 تريليون دولار أميركي.

علاوة على ذلك، من المنتظر أن تنمو صفوف الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ. فقد تقدمت المملكة المتحدة بطلب رسمي للانضمام إلى الاتفاقية في فبراير/شباط الماضي. وفي سبتمبر/أيلول، فعلت الصين ذات الشيء، في محاولة واضحة لتسليط الضوء على التزامها بالتجارة الحرة ــ وتمييز ذاتها عن الولايات المتحدة. وتقدمت تايوان بطلب الانضمام بعد ستة أيام.

إذا انضمت المملكة المتحدة إلى الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ، كما يبدو الآن مرجحا، فسوف تضيف 2.7 تريليون دولار ــ أو نحو 20% ــ إلى إجمالي الناتج الاقتصادي للكتلة. سوف يكون التعامل مع الطلبين الصيني والتايواني أكثر صعوبة. فتايوان أفضل تأهيلا من الناحية الفنية للانضمام مقارنة بالصين، لكن قرار قبول تايوان ورفض الصين قد يؤجج التوترات، بل وربما يحفز الصراع ــ وهو احتمال يفضل الموقعون على الاتفاقية تجنبه.

ولكن من منظور استراتيجي، ستحدث الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ الفارق الأكبر عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة. فعلى الرغم من خروج ترمب من البيت الأبيض، لم تتزحزح الولايات المتحدة بعيدا عن سياسة الحماية التي انتهجها ترمب، ولم يتمكن الرئيس جو بايدن من حشد القدر الكافي من الشجاعة السياسية للانضمام إلى الاتفاقية. مع ذلك تشكل الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ جزءا لا يتجزأ من نجاح الجهود الأميركية في التصدي لنفوذ الصين الاقتصادي في آسيا. في النهاية، يتعين على بايدن أن يعترف بهذا. وعندما يفعل، سيكون عليه أن يشكر آبي على حقيقة وجود اتفاقية تجارة حرة سارية تستطيع الولايات المتحدة الانضمام إليها.

كان إرث آبي أكثر أهمية وأبعد نظرا على الساحة الأمنية. فقد اقترح إنشاء منتدى الحوار الأمني الرباعي كمنتدى أمني إقليمي ــ يضم أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة ــ في عام 2007، أثناء ولايته الأولى القصيرة كرئيس لوزراء اليابان. ورغم أن منتدى الحوار الأمني الرباعي كان خاملا إلى حد كبير خلال العقد التالي، فقد اتفقت الأطراف على إعادة تنشيطه في عام 2017، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى استحثاث من آبي فضلا عن عدوانية الصين المتنامية.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

تنظر إدارة بايدن الآن إلى منتدى الحوار الأمني الرباعي باعتباره مكونا حاسما في استراتيجيتها لإبقاء الصين تحت السيطرة. في سبتمبر/أيلول، التقى قادة المجموعة في إطار قمة حضروها بشخوصهم في البيت الأبيض ــ وهو التجمع الذي من المرجح أن يشير إليه المؤرخون في المستقبل باعتباره لحظة محورية في تاريخ المنافسة الاستراتيجية الصينية الأميركية.

لكن منتدى الحوار الأمني الرباعي أكثر من مجرد رمزية دبلوماسية، فهو يسعى أيضا إلى تعزيز القدرات العسكرية المشتركة لأعضائه. في العام الماضي، نفذ أول مناورة بحرية مشتركة بعنوان "مالابار 2020"، قبالة الساحل الجنوبي الشرقي للهند. ثم أتبع ذلك في أغسطس/آب بالمناورة "مالابار 2021"، قبالة ساحل جوام.

نظرا لجهوده القيادية في صياغة الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ ومنتدى الحوار الأمني الرباعي، قد يفترض المرء أن شينزو آبي كان صقرا غير نادم في التصدي للصين، وأنه عاقد العزم على احتوائها. لكن هذا التقييم يـغـفَـل عن ركيزة استراتيجية آبي الجيوسياسية الثالثة: المشاركة المباشرة مع الصين.

الحق أنه حتى أثناء ترويجه النشط للاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ ومنتدى الحوار الأمني الرباعي، كان آبي حريصا على ضمان الإبقاء على علاقات اليابان مع الصين مستقرة وتعاونية. في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2018 قام بزيارة إلى بكين، ووجه الدعوة إلى الرئيس الصيني شي جين بينج لزيارة اليابان في إبريل/نيسان 2020، وإن كانت هذه الخطة خرجت عن مسارها بسبب جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19).

في النهاية، كان آبي واقعيا بامتياز عندما يتعلق الأمر بالصين. كان يدرك أن المشاركة الثنائية أمر بالغ الأهمية لتهدئة التوترات وتخفيف المخاطر. ولكن لضمان السلام والرخاء في اليابان، كان لابد من استكمال هذه المشاركة بتكوين تحالفات اقتصادية وأمنية متينة مع القوى الكبرى الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة والهند. عندها فقط، ستأخذ الصين اليابان على محمل الجد، وتتعامل معها كشريك مساو لها في شرق آسيا.

اليوم، يبدو أن ركيزة استراتيجية آبي الثالثة في التعامل مع الصين انهارت. فقد أقنعت إدارة بايدن سوجا بتكثيف التزامات اليابان الأمنية بطرق يعتبرها حكام الصين عدائية. وسرعان ما انزلقت العلاقات الصينية اليابانية إلى مستويات غير مسبوقة من التدني.

ما يدعو إلى التفاؤل أن خليفة سوجا، رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، ربما يجد مساحة أكبر للمناورة. فبفضل بصيرة آبي الاستراتيجية، أصبحت اليابان الآن في وضع جيوسياسي أقوى من الصين. الواقع أن الصين تحتاج إلى اليابان أكثر من احتياج اليابان إليها، لأن الصين يجب أن تحافظ على علاقة عملية مع اليابان إذا كانت راغبة في إحباط استراتيجية أميركا التي تسعى إلى فصلها اقتصاديا واحتوائها أمنيا. وعلى هذا، فإذا بدأت التوترات تهدأ، فربما تكون الصين هي الطرف الذي يسعى إلى التواصل مع اليابان في محاولة لاستعادة العلاقات. ومثل هذه المبادرة من شأنها أن تجعل آسيا بأسرها في حال أفضل.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/1HQLDkmar