strain36_Michael M. SantiagoGettyImages_ny_stock_exchange Michael M. Santiago/Getty Images

كيف قد يتمكن ترمب من تحقيق النمو المستدام

واشنطن، العاصمة ــ بينما ينظر المستثمرون وقادة الأعمال وصُـنّـاع السياسات في آفاق أميركا الاقتصادية، يتعين عليهم أن يضعوا حقيقتين في صدارة اهتماماتهم. أولا، الاقتصاد الأميركي قوي للغاية. وثانيا، تشكل سياسات الرئيس دونالد ترمب الشعبوية أحد أكبر المخاطر التي تهدد استمرار نموه.

في يناير/كانون الثاني، ارتفع تضخم مؤشر أسعار المستهلك الأساسي (باستثناء أسعار المواد الغذائية والطاقة) بنسبة 0.4% على أساس شهري ــ أكثر مما توقعه خبراء الاقتصاد وضعف الزيادة التي حدثت في ديسمبر/كانون الأول، الأمر الذي دفع المعدل على أساس سنوي إلى 3.3%.

أحاطت الأسواق المالية علما بهذا. ولكن كان من الواضح منذ عِـدّة أشهر أن الاحتياطي الفيدرالي لم ينجح في دفع التضخم نحو الهدف 2%. فقد ظل التضخم الأساسي عالقا منذ ربيع عام 2024. باستخدام مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (باستثناء أسعار المواد الغذائية والطاقة)، كان التضخم على أساس سنوي إما 2.7% أو 2.8% في سبعة من الأشهر الثمانية الأخيرة. (كان 2.6% في يونيو/حزيران.) وكان تضخم مؤشر أسعار المستهلك الأساسي لمدة 12 شهرا إما 3.2% أو 3.3% في كل من الأشهر الثمانية الأخيرة.

في الوقت ذاته، لا تزال سوق العمل مستقرة. ظل معدل البطالة الشهري الرئيسي يتراوح بين 4% و4.2% منذ مايو/أيار، وكان في انخفاض طوال الشهرين الأخيرين. في الواقع، ربما تكون سوق العمل متزايدة الإحكام والضيق. يشير مقياس أعرض يضع في الحسبان جداول الدوام الجزئي غير الطوعي والارتباط الهامشي بقوة العمل إلى أن الركود في سوق العمل ربما كان في انخفاض منذ يوليو/تموز.

يعكس معدل التضخم العالق فوق هدف الاحتياطي الفيدرالي وسوق العمل القوية الأسس الاقتصادية الراسخة. كانت مكاسب التوظيف الشهرية قوية ومعدلات تسريح العمال لا تزال منخفضة، وهذا يدعم دخل الأسر والإنفاق الاستهلاكي الذي غذى توسع الاقتصاد. وقد سَـجَّـلَ الناتج الاقتصادي نموا فوق إمكاناته الأساسية في النصف الثاني من عام 2024. في وقت كتابة هذه السطور، تشير تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا إلى أن الاقتصاد في طريقه للنمو بنسبة 2.3% في الربع الحالي، وبوسعنا أن نقول إن هذا أعلى من معدله المستدام.

الواقع أن خطر عودة التضخم إلى التسارع أعظم من خطر تدهور سوق العمل. بينما كنت أكتب، أشارت أسعار السوق إلى احتمال بنسبة 16% أن الاحتياطي الفيدرالي لن يخفض أسعار الفائدة مرة أخرى في عام 2025. وفي حين كانت توقعات المستثمرين تتحرك في الاتجاه الصحيح في الأشهر الأخيرة، فإن احتمالات رفع أسعار الفائدة ــ وهو أمر مرجح من وجهة نظري هذا العام ــ لا تزال موضع استخفاف.

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Introductory Offer: Save 30% on PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

ما الذي قد يبطئ الاقتصاد؟ تصريحات ترمب الضالة بشأن السياسات، وربما الأهم من ذلك، سياساته الشعبوية فيما يرتبط بالتجارة والهجرة.

للتوضيح، كثير مما يأمل ترمب في تحقيقه من شأنه أن يعزز الاقتصاد الأميركي. كما كتبت مؤخرا، فإن النهج الذي يتبعه الرئيس في التعامل مع تنظيم الذكاء الاصطناعي وإنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، ورغبته في توسيع إنتاج الطاقة المحلي، وخفض الضرائب المفروضة على الشركات، وإلغاء الضوابط التنظيمية الضارة كفيل بتعزيز النمو. ويوافق المستثمرون على هذا إلى حد كبير ــ فقد ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 6% منذ فوز ترمب في نوفمبر/تشرين الثاني.

لكن ترمب نثر أيضا بذور حالة من الارتباك بشأن مسار السياسة الاقتصادية الأميركية في المستقبل، وبخاصة فيما يتعلق بالتجارة. انخفضت عمليات الاندماج والاستحواذ في الولايات المتحدة بنسبة 30% تقريبا في يناير/كانون الثاني 2025 مقارنة بشهر يناير 2024، ويعكس هذا عدم القدرة على التنبؤ. بدأ المستهلكون أيضا يُـظـهِـرون علامات التوتر. فقد سَـجَّـلَ مؤشر جامعة ميشيجان لمعنويات المستهلكين انخفاضا بنسبة 5% في فبراير/شباط.

كان المستهلكون، منذ الجائحة، متشائمين بشأن الاقتصاد بكل تأكيد، كما هو معتاد خلال فترات الركود. لكن تراجع معنويات المستهلكين في فبراير/شباط يبدو مرتبطا بمخاوف من التضخم. فقد أظهر استطلاع ميشيجان قفزة كبرى على أساس شهري في متوسط توقعات التضخم لمدة 12 شهرا، من 3.3% إلى 4.3%. الجدير بالذكر أن المستهلكين في استطلاع ميشيجان كانوا مهمومين بشكل خاص بشأن ظروف شراء السلع المعمرة، وهذا يشير إلى القلق بشأن التعريفات الجمركية.

يُـظـهِـر بحث أجراه خبراء الاقتصاد أوليفييه كويبيون ويوري جورودنيشنكو ومايكل ويبر أن الأميركيين يتوقعون دفع ما يقرب من نصف تكاليف أي رسوم جمركية يستنها ترمب. وخلص استطلاع مختلف إلى أن ثلثي الأميركيين لا يعتقدون أن ترمب يفعل ما يكفي لخفض أسعار المستهلك. وقد تؤدي المخاوف بشأن الرسوم الجمركية واحتمال ارتفاع الأسعار إلى دفع المستهلكين إلى تقليص إنفاقهم، على النحو الذي يؤدي إلى تباطؤ التوسع الحالي.

برغم أن حالة انعدام اليقين الناجمة عن تصريحات ترمب الشاردة بشأن سياساته ضارة، فإن تنفيذه لسياساته الشعبوية إلى النهاية سيكون أشد ضررا. تسببت الحرب التجارية التي شنها ترمب أثناء ولايته الأولى في زيادة الأسعار الاستهلاكية وخفض الاستثمار في الأعمال التجارية وتشغيل العمالة في قطاع التصنيع، وإضعاف القدرة التنافسية ــ دون قطع العلاقات الاقتصادية مع الصين بشكل ملموس أو خفض العجز التجاري.

تشير تقديرات جولدمان ساكس إلى أن فرض تعريفة جمركية بنسبة 25% بشكل دائم على الواردات من كندا والمكسيك ــ والتي أعلن عنها ترمب في الأول من فبراير/شباط لكنه أوقفها على الفور تقريبا لمدة ثلاثين يوما ــ من شأنه أن يقلص الناتج الاقتصادي بنحو 0.4%. وتخلص دراسة نشرها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سينخفض بنسبة 1.2% بحلول عام 2028 إذا أقدم ترمب على ترحيل 1.3 مليون مهاجر غير شرعي.

كان السبب وراء انتخاب ترمب راجعا بدرجة كبيرة إلى رفض الناخبين نهج جو بايدن في إدارة السياسة الاقتصادية، والذي خَـلَّـفَ عواقب تضخمية. ونظرا لقوة الاقتصاد الأميركي الكامنة، فقد بدأ ترمب فترة ولايته الثانية والرياح في ظهره. وينبغي له أن يبني على هذه الميزة من خلال مُـلاحقة أهداف سياساته العديدة التي من شأنها أن تعمل على تعزيز النمو، بدلا من تلك الكفيلة بعرقلته.

ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/lb2Glsrar