kolesnikov15_Konstantin ZavrazhinGetty Images_antiwar protest russia Konstantin Zavrazhin/Getty Images

هل يدعم معظم الروس الحرب في أوكرانيا؟

موسكوـ هناك قاسم مشترك بين الغرب والكرملين وهو أن كلاهما يحب أن يقول أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" يتمتع بنسبة تأييد تصل إلى 80٪. فقد ظلت استطلاعات الرأي تُظهر أن غالبية الروس يؤيدون الحرب في أوكرانيا. كما أن الصراع الذي كان يُحرص على أن يشار إليه باسم "حرب بوتين" أصبح يطلق عليه الآن "حرب روسيا"- أو هكذا تبدو الأمور. وفي الواقع، تكشف مجموعات استطلاعات رأي الجماهير والتركيز التي أجراها مركز "ليفادا" المستقل عن صورة أكثر دقة مما توحي به الأرقام الرئيسية.

أولا، إن ما يسمى بالعملية العسكرية الخاصة للكرملين في أوكرانيا لا تحظى بالضرورة بدعم كامل.  ففي أغسطس/آب، أفاد أقل من نصف المشاركين في الاستطلاع (46 في المائة) أنهم "يدعمون حتما" أنشطة الجيش الروسي، وقال 30٪ منهم أنهم "يدعمون الحرب في معظمها" (الأرقام التي بالكاد تغيرت منذ أبريل/نيسان).

وبالنسبة للمجموعة الأخيرة، ربما لا يكون دعم الحرب مسألة قناعة بقدر ما هي مسألة امتثال. إذ قال بعض المشاركين في الاستطلاع، على سبيل المثال، أنهم لا يستطيعون معرفة ما يجري بالضبط، مشيرين إلى أن الحكومة لديها دراية أكبر بما يحدث. وقد يكون لدى الأشخاص في هذه المجموعة بعض الشكوك- فهم أكثر احتمالا للتعبير عما يشعرون به من خوف وقلق بشأن الصراع، ومن غير المرجح أن يعبروا عن فخرهم بما يجري، بل عن رغبتهم في البقاء في منطقة الراحة النفسية والفكرية الخاصة بهم.

وبُنيت منطقة الراحة هذه إلى حد كبير على الاعتقاد بأن هذه حرب دفاعية بصورة أساسية. أولاً، معظم الروس مقتنعون بأن السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا- لا سيما في منطقة "دونباس" الشرقية- تعرضوا للهجوم. والواقع أن معظم الأشخاص الذين أعربوا عن دعمهم للحرب أبرزوا ضرورة حماية هذه المجموعة. ويرون أن هذه الحتمية تبرر الأفعال التي ربما كانت ستبدو غير واردة لولاها.

ثانيًا، يعتقد الروس- وخاصة كبار السن منهم- أن بلادهم يجب أن "تقاوم" أولئك الذين يسعون إلى تدميرها. إذ في فبراير/شباط 2022- قبل الغزو الروسي الأخير- أفاد 60 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي هما المسؤولان عن الصراع في دونباس، حيث اندلعت الحرب منذ عام 2014. وقد ارتفع هذا الرقم عشر نقاط مئوية عما كان عليه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام السابق.

ورغم انتشار هذه الأفكار، لا يزال هناك الكثير من المنتقدين الروس لحرب أوكرانيا. فحاليًا، يقول ما يناهز 17-20 في المائة من الروس أنهم لا يوافقون على سياسة بلادهم اتجاه أوكرانيا، مقارنة مع 14 في المائة في مارس/آذار. وتهيمن على هذه المجموعة سكان المدن الشباب الذين يتابعون الأخبار على الإنترنت، بدلاً من التلفزيون الذي تسيطر عليه الدولة، على الرغم من أن هؤلاء الأشخاص لا يزالون أكثر احتمالا لدعم "العملية الخاصة".

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

إن الفئة الوحيدة التي عارض أغلب من ينتمي إليها الحرب تتألف من الأشخاص الذين يرفض معظمهم "بوتين" والحكومة الروسية ومجلس "الدوما". إذ صوّت هؤلاء الأشخاص ضد تعديلات عام 2020 للدستور الروسي (التي مكّنت بوتين من إعادة تعيين حدود فترة ولاية منصبه وإطالة أمد حكمه حتى عام 2036)، ولديهم تاريخ في دعم شخصيات المعارضة، وحضروا الاحتجاجات المناهضة لبوتين في أوائل العام الماضي. ومن المرجح أن تحمل هذه المجموعة وجهات نظر إيجابية عن الغرب.

ولكن الروس ذوي التاريخ الطويل من المعارضة ليسوا وحدهم من يرفضون سياسة بوتين. إذ يعارض الروس القتال في أوكرانيا اليوم أكثر مما فعلوا بعد اندلاع العنف لأول مرة في عام 2014. وتحدث ما لا يزيد عن 10٪ ضد ضم شبه جزيرة القرم- نصف عدد الأشخاص الذين أعلنوا معارضتهم للحرب في أوكرانيا اليوم- وفقط 11-12 في المائة من الناس قالوا قبل ثمان سنوات أنهم غير راضين عن بوتين، مقارنة بـ15-16 في المائة اليوم.

وحتى مع نمو صفوف الروس المناهضين للحرب، تراجعت احتمالية الاحتجاجات المناهضة للحرب. وليس من الصعب أن نفهم لماذا. إذ يُعاقب الآن على المشاركة في الاحتجاجات غير المصرح بها بغرامات باهظة وأحكام بالسجن تتعلق بتكرار الجرائم. وفضلا عن ذلك، يمكن أن يواجه الروس تهماً جنائية بتهمة تحريض "الآخرين على المشاركة في احتجاجات غير مصرح بها" أو "تشويه سمعة القوات المسلحة الروسية". كما أن الحظر المفروض على الأحداث الجماهيرية على مستوى البلاد، والذي فرض أثناء جائحة كوفيد-19، لم يُرفع بعد.

وببساطة، تُستنفد الرغبة في التمرد من خلال إزالة التحسس. فقد أوضح أحد المشاركين في الاستطلاع قائلاً: "لقد اعتاد الناس على ما يحدث وبكل بساطة لم يعودوا مهتمين بما يجري". وطالما ليس هناك تعبئة عسكرية وكان أكثر الروس ممن يشعرون بعدم الرضى قادرين على مغادرة البلاد، يسود شعور بأن الحياة تسير في مجراها الطبيعي.

وبالطبع، هناك تحديات لا يمكن تجاهلها، مثل ارتفاع الأسعار وفقدان المدخرات. ولكن يُنظر إلى الصراع على أنه عاصفة يجب وبكل بساطة تجاوزها، شأنه في ذلك شأن الوباء. وبينما يأمل معظم الروس- حتى مؤيدو الحرب- أن ينتهي قريبًا، يرغب الكثيرون أن تعلن روسيا النصر، وأن توافق على شروط السلام .إنهم يستعدون لصراع طويل الأمد ومواجهة مع الغرب.

رغم ذلك، يبدو أن الروس على استعداد لافتراض أن الأمور ستعود في النهاية إلى طبيعتها. فقد قال أحد المشاركين: "أعتقد أن كل المشاكل ستحل قريبًا". وقال آخر: "سوف تنتهي الحرب بطريقة أو بأخرى".

وفي غضون ذلك، ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن نظام "بوتين" في خطر حقيقي. إذ يلقي الروس باللوم في صراعاتهم الحالية إلى حد كبير على الولايات المتحدة وأوروبا وحلف شمال الأطلسي- وهو انطباع لم يتأثر بالعقوبات. وفضلا عن ذلك، دُمرت المعارضة السياسية والمجتمع المدني، ويلوح في الأفق إلى حد كبير خطر ممارسة سياسة القمع. فبوتين مستعد أيضًا لقمع أولئك القوميين المتطرفين الذين يعتقدون أنه ضعيف للغاية. إنه يستهدف الإمبريالية والحرب، ولن يتنازل عنهما لأحد.

والسؤال هو ما إذا كان التدهور الإضافي للظروف الاجتماعية والاقتصادية قد يدفع الروس إلى الانقلاب على بوتين. فعلى أي حال، غالبًا ما كانت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في روسيا سببًا لتطورات غير متوقعة في أماكن غير متوقعة. وسرعان ما ستتجه روسيا إلى حملتها الانتخابية الرئاسية المقبلة، الأمر الذي سيتطلب من بوتين صياغة رؤية جديدة قوية يقدمها للروس. فالحرب في أوكرانيا وحدها لا تكفي. فقد أطلق رصاصة تلك الحرب بالفعل- ولم يتوقف إطلاق النار لحد الساعة.

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/Y4OUlgRar