كمبريدج ــ على مدار الأشهر القليلة الماضية، سلك الجدال الدائر حول السياسة المالية والنقدية الألمانية منعطفا مثيرا للاهتمام. فقد خضعت العقائد الاقتصادية المتأصلة بعمق، بما في ذلك أن القطاع العام لابد أن يسعى حثيثا لتوليد فائض مالي بصرف النظر عن ظروف الاقتصاد الكلي، لعملية إعادة تقييم، على الأقل من قِبَل بعض الخبراء.
تشهد الأوضاع الاقتصادية تغيرا سريعا إلى الأسوأ. فمن المؤكد أن الاقتصاد الألماني ــ الذي كان لفترة طويلة محرك النمو في منطقة اليورو ــ أصبح متعثرا بوضوح. وتساهم تيارات أساسية قوية في هذا التباطؤ. ونتيجة لهذا، بات احتمال حدوث الركود الألماني النموذجي مرتفعا (من حيث العمق والمدة)، إن لم يكن أسوأ.
بطبيعة الحال، تتمثل الرياح المعاكسة الرئيسية في حالة عدم اليقين الناجمة عن بيئة التجارة العالمية المثيرة للجدال. ويهدد هذا بشكل خاص الاقتصادات المفتوحة مثل ألمانيا وجاراتها، المدمجة بعمق في سلاسل القيمة الخاصة بالمصنعين.
وسوف تضرب التوترات التجارية العالمية أوروبا في اتجاهين: بشكل غير مباشر ــ من خلال قناة الصين ــ وبشكل مباشر، على سبيل المثال من خلال التعريفات الأميركية المعلنة، في أعقاب الحكم الصادر عن منظمة التجارة العالمية مؤخرا في ما يتصل بالمساعدات الحكومية المقدمة لمجموعة ايرباص الفضائية الأوروبية. وسوف تكون الاستجابة المنطقية الرد الانتقامي من قِبَل الاتحاد الأوروبي ضد إعانات الدعم الأميركية لشركة بوينج، والتي ربما تقرها منظمة التجارة العالمية.
لقد ولت الأيام الطيبة ــ أو السيئة في نظر بعض الناس ــ للاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف. واليوم، أصبحت الحواجز الجمركية وغير الجمركية رائجة مرة أخرى، وهو ما يرجع جزئيا إلى حقيقة مفادها أن الاختلالات التجارية الثنائية الضخمة، التي تتجاوز مستوى معين، تؤدي حتما إلى إثارة ردة فعل انعكاسية بين بعض صناع السياسات لحماية الأسواق المحلية لصالح المنتجين المحليين والعاملين لديهم (الذين يتركزون إقليميا غالبا). الواقع أن الارتباك التجاري، مثله في ذلك كمثل الارتباك التكنولوجي، يخلف عواقب ترتبط بإعادة التوزيع، والتي يتجاهلها صناع السياسات على نحو يفتقر إلى الحكمة، فتنشأ الحاجة ضمنا إلى التعديل والتغيير البنيوي.
وعلى هذا فإن فوائض الحساب الجاري الضخمة على الدوام في ألمانيا، والتي كانت لفترة طويلة أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، تتسبب في زيادة التوترات مع دول أخرى "تستورد بإفراط"، وخاصة الولايات المتحدة، التي يتعين عليها أن تدير عجزا ضخما متناسبا في الحساب الجاري في المقابل.
Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025
Our annual flagship magazine, PS Quarterly: The Year Ahead 2025, has arrived. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Digital Plus now.
Subscribe Now
نظرا لارتفاع مخاطر الركود في ألمانيا، فإن الاستجابة الواضحة تتمثل في استخدام السياسة المالية والسياسة النقدية ــ اللتين "تخدمان" الاقتصاد الكلي، على حد تعبير رجل الاقتصاد الأميركي آرثر أوكون ــ وحساب تأثير كل منهما.
يحدث التفاعل بين السياسة المالية والسياسة النقدية حتما بما يؤثر على النشاط الاقتصادي في ما أسماه الخبير الاقتصادي جيمس توبين "الأنبوب المشترك". الواقع أن مناقشة السياسة الاقتصادية في منطقة اليورو تتجاهل هذا التفاعل غالبا. لكن الاعتراف به يترك للمنتقدين مجالا أقل كثيرا لتقريع البنك المركزي الأوروبي.
في دولة فيدرالية، يتولى المستوى الأعلى من الحكومة، والذي يكون مسؤولا عادة عن القسم الأكبر من النفقات العامة، تنفيذ السياسات المالية في التصدي للتباطؤ. وقد تكون هذه التدابير المعززة للاستقرار تلقائية، كما تتقلب إيرادات الميزانية ونفقاتها مع الدورة الاقتصادية، أو ربما تكون نشطة، فتعمل بشكل متعمد على تعزيز الطلب المحلي بهدف إعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح. من ناحية أخرى، تعمل السياسة النقدية على تعديل أسعار الفائدة و/أو الوصول إلى الأموال سعيا إلى تحقيق هدف تعزيز الاستقرار.
وهنا تبدأ العوامل التي تتفرد بها منطقة اليورو في تعقيد الأمور. إن الاتحاد الأوروبي (وأكثر من ذلك منطقة اليورو) أكثر من مجرد كونفدرالية، لكنه أقل كثيرا من اتحاد فيدرالي. وعلى هذا فإن آليات "الأنبوب المشترك" تختلف. فمن الناحية النظرية، ينبغي لدول منطقة اليورو، كونها دول شبه سيادية نقديا، أن تعمل على إصلاح وظيفة تثبيت الاستقرار المالي. لكنها في الممارسة العملية لا تفعل ذلك، إما لأنها مقيدة بفِعل القواعد شبه الدستورية التي يفرضها "الميثاق المالي" للاتحاد الأوروبي، أو لأن موارد قطاعاتها العامة المالية الضعيفة تجعلها مقيدة بأسواق الدين. من ناحية أخرى، قد لا ترى حكومات أخرى في منطقة اليورو ضرورة لاتخاذ تدابير مالية معاكسة للدورة الاقتصادية، حتى برغم أنها تتمتع بالحيز المالي اللازم لتطبيقها.
وهذا يضع القسم الأعظم من عبء تثبيت الاستقرار على عاتق البنك المركزي الأوروبي ــ الذي لا يتمتع بالتفويض اللازم لتيسير الإنتاج. ولا تؤثر دورة الأعمال على سياسة البنك المركزي إلا بشكل غير مباشر، من خلال تأثيرها على أسعار المستهلك.
لكن البنك المركزي الأوروبي استنفد تقريبا أدوات السياسة النقدية غير التقليدية، مثل المشتريات الضخمة من الأوراق المالية وأسعار الفائدة السلبية. وفي حين يقدم الأدلة التي تؤكد على الفوائد الصافية المترتبة على هذه الأدوات، فقد أقر البنك المركزي الأوروبي بتأثيراتها الجانبية السلبية المحتملة، مثل تأثيرها الضار المحتمل على مرونة القطاع المصرفي وقطاع التأمين في منطقة اليورو. وعلى هذا فإن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي كان مصيبا عندما دعا الحكومات الوطنية التي تتمتع بالحيز الكافي للمناورة إلى تحمل بعض عبء تثبيت الاستقرار من خلال توفير الحوافز المالية.
عدم القيام بذلك من شأنه أن يقوض استقلالية البنك المركزي الأوروبي ويجعله محاصرا في زاوية، وهي نفس النتيجة الناجمة عن عدم معالجة القدرة الزائدة في الصناعة المصرفية في أوروبا. هذا هو اختصاص السياسة المالية، وهو يأتي مصحوبا بعواقب مرتبطة بالميزانية. ومن المؤسف أن إجبار البنك المركزي الأوروبي على استخدام ميزانيته العمومية (توفير السيولة لفترات متزايدة الطول للتعامل مع القضايا الخاصة بالملاءة المالية) أكثر جاذبية بلا منافس في نظر العديد من الساسة الوطنيين. كما أنه يجعل تقريع البنك المركزي أكثر سهولة.
الخبر السار للبنك المركزي الأوروبي هو أن صناع السياسات، بما في ذلك في هولندا المقتصدة، عادوا مرة أخرى على الأقل إلى مناقشة السياسات المالية المعاكسة للدورة الاقتصادية. ومن الواضح أن العقلاء ربما يحملون وجهات نظر مختلفة. الواقع أن أغلب المقترحات المطروحة للتعامل مع دورات التباطؤ كانت دوما ثنائية الاتجاه، والآن يبدو أن التوازن بدأ يتحول أخيرا في منطقة اليورو.
غير أن المناقشة حول السياسات يجب أن تكون أقل كلية وأكثر واقعية. فنظرا للنسخ الوطنية المتباينة من رأسمالية الرفاهة الاجتماعية، تتمتع دول منطقة اليورو بمثبتات استقرار تلقائية قوية نسبيا، وأقوى كثيرا من مثيلاتها في الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، سنجد أن بعض الدول غير مركزية من الناحية المالية. ويصدق هذا بشكل خاص على ألمانيا، حيث يأتي قسم كبير من صافي تقليص الاستثمارات في البنية الأساسية العامة ــ والذي يظهر في ميزانية القطاع العام الكلية كمدخرات أو في هيئة ميزانية "الصِفر الأسود" المنضبطة ــ نتيجة لقاعدة إيرادات هشة ورديئة التوزيع داخل الطبقة المالية الثالثة (البلديات). فرغم أنها تتبع "قواعد ذهبية" اقتصادية معقولة عن طريق الفصل بين الحسابات الجارية وحسابات الميزانية الرأسمالية، فإن العديد من البلديات تعاني من ضائقة مالية. وعلى هذا فإن علاج مشكلة "الحيز المالي" الألماني، يستلزم المزيد من التعمق.
أخيرا، تتضح الحاجة إلى قدرة معقولة (من حيث الحجم) على تثبيت الاستقرار تلقائيا على مستوى منطقة اليورو. وفي حين تُعَد أداة موازنة منطقة اليورو للتقارب والقدرة التنافسية بداية طيبة، فإنها ليست كافية في حد ذاتها. وبطبيعة الحال، لا ينبغي لها أن تتضمن بندا في الميزانية من أجل "تثبيت الاستقرار"، بل النقل الحقيقي المشروع ديمقراطيا لمسؤوليات القطاع العام الوطنية والسيادة.
من المؤسف أن السياسات الحالية في دول منطقة اليورو، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، أكثر تطلعا إلى الداخل. وهذا من شأنه أن يجعل منطقة اليورو، وخاصة الدول الأكثر ضعفا في المنطقة، عُرضة للخطر على نحو مستمر.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
America's president subscribes to a brand of isolationism that has waxed and waned throughout US history, but has its roots in the two-century-old Monroe Doctrine. This is bad news for nearly everyone, because it implies acceptance of a world order based on spheres of influence, as envisioned by China and Russia.
hears echoes of the Monroe Doctrine in the US president's threats to acquire Greenland.
Financial markets and official economic indicators over the past few weeks give policymakers around the world plenty to contemplate. Was the recent spike in bond yields a sufficient warning to Donald Trump and his team, or will they still follow through with inflationary stimulus, tariff, and immigration policies?
wonders if recent market signals will keep the new administration’s radicalism in check.
كمبريدج ــ على مدار الأشهر القليلة الماضية، سلك الجدال الدائر حول السياسة المالية والنقدية الألمانية منعطفا مثيرا للاهتمام. فقد خضعت العقائد الاقتصادية المتأصلة بعمق، بما في ذلك أن القطاع العام لابد أن يسعى حثيثا لتوليد فائض مالي بصرف النظر عن ظروف الاقتصاد الكلي، لعملية إعادة تقييم، على الأقل من قِبَل بعض الخبراء.
تشهد الأوضاع الاقتصادية تغيرا سريعا إلى الأسوأ. فمن المؤكد أن الاقتصاد الألماني ــ الذي كان لفترة طويلة محرك النمو في منطقة اليورو ــ أصبح متعثرا بوضوح. وتساهم تيارات أساسية قوية في هذا التباطؤ. ونتيجة لهذا، بات احتمال حدوث الركود الألماني النموذجي مرتفعا (من حيث العمق والمدة)، إن لم يكن أسوأ.
بطبيعة الحال، تتمثل الرياح المعاكسة الرئيسية في حالة عدم اليقين الناجمة عن بيئة التجارة العالمية المثيرة للجدال. ويهدد هذا بشكل خاص الاقتصادات المفتوحة مثل ألمانيا وجاراتها، المدمجة بعمق في سلاسل القيمة الخاصة بالمصنعين.
وسوف تضرب التوترات التجارية العالمية أوروبا في اتجاهين: بشكل غير مباشر ــ من خلال قناة الصين ــ وبشكل مباشر، على سبيل المثال من خلال التعريفات الأميركية المعلنة، في أعقاب الحكم الصادر عن منظمة التجارة العالمية مؤخرا في ما يتصل بالمساعدات الحكومية المقدمة لمجموعة ايرباص الفضائية الأوروبية. وسوف تكون الاستجابة المنطقية الرد الانتقامي من قِبَل الاتحاد الأوروبي ضد إعانات الدعم الأميركية لشركة بوينج، والتي ربما تقرها منظمة التجارة العالمية.
لقد ولت الأيام الطيبة ــ أو السيئة في نظر بعض الناس ــ للاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف. واليوم، أصبحت الحواجز الجمركية وغير الجمركية رائجة مرة أخرى، وهو ما يرجع جزئيا إلى حقيقة مفادها أن الاختلالات التجارية الثنائية الضخمة، التي تتجاوز مستوى معين، تؤدي حتما إلى إثارة ردة فعل انعكاسية بين بعض صناع السياسات لحماية الأسواق المحلية لصالح المنتجين المحليين والعاملين لديهم (الذين يتركزون إقليميا غالبا). الواقع أن الارتباك التجاري، مثله في ذلك كمثل الارتباك التكنولوجي، يخلف عواقب ترتبط بإعادة التوزيع، والتي يتجاهلها صناع السياسات على نحو يفتقر إلى الحكمة، فتنشأ الحاجة ضمنا إلى التعديل والتغيير البنيوي.
وعلى هذا فإن فوائض الحساب الجاري الضخمة على الدوام في ألمانيا، والتي كانت لفترة طويلة أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، تتسبب في زيادة التوترات مع دول أخرى "تستورد بإفراط"، وخاصة الولايات المتحدة، التي يتعين عليها أن تدير عجزا ضخما متناسبا في الحساب الجاري في المقابل.
Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025
Our annual flagship magazine, PS Quarterly: The Year Ahead 2025, has arrived. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Digital Plus now.
Subscribe Now
نظرا لارتفاع مخاطر الركود في ألمانيا، فإن الاستجابة الواضحة تتمثل في استخدام السياسة المالية والسياسة النقدية ــ اللتين "تخدمان" الاقتصاد الكلي، على حد تعبير رجل الاقتصاد الأميركي آرثر أوكون ــ وحساب تأثير كل منهما.
يحدث التفاعل بين السياسة المالية والسياسة النقدية حتما بما يؤثر على النشاط الاقتصادي في ما أسماه الخبير الاقتصادي جيمس توبين "الأنبوب المشترك". الواقع أن مناقشة السياسة الاقتصادية في منطقة اليورو تتجاهل هذا التفاعل غالبا. لكن الاعتراف به يترك للمنتقدين مجالا أقل كثيرا لتقريع البنك المركزي الأوروبي.
في دولة فيدرالية، يتولى المستوى الأعلى من الحكومة، والذي يكون مسؤولا عادة عن القسم الأكبر من النفقات العامة، تنفيذ السياسات المالية في التصدي للتباطؤ. وقد تكون هذه التدابير المعززة للاستقرار تلقائية، كما تتقلب إيرادات الميزانية ونفقاتها مع الدورة الاقتصادية، أو ربما تكون نشطة، فتعمل بشكل متعمد على تعزيز الطلب المحلي بهدف إعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح. من ناحية أخرى، تعمل السياسة النقدية على تعديل أسعار الفائدة و/أو الوصول إلى الأموال سعيا إلى تحقيق هدف تعزيز الاستقرار.
وهنا تبدأ العوامل التي تتفرد بها منطقة اليورو في تعقيد الأمور. إن الاتحاد الأوروبي (وأكثر من ذلك منطقة اليورو) أكثر من مجرد كونفدرالية، لكنه أقل كثيرا من اتحاد فيدرالي. وعلى هذا فإن آليات "الأنبوب المشترك" تختلف. فمن الناحية النظرية، ينبغي لدول منطقة اليورو، كونها دول شبه سيادية نقديا، أن تعمل على إصلاح وظيفة تثبيت الاستقرار المالي. لكنها في الممارسة العملية لا تفعل ذلك، إما لأنها مقيدة بفِعل القواعد شبه الدستورية التي يفرضها "الميثاق المالي" للاتحاد الأوروبي، أو لأن موارد قطاعاتها العامة المالية الضعيفة تجعلها مقيدة بأسواق الدين. من ناحية أخرى، قد لا ترى حكومات أخرى في منطقة اليورو ضرورة لاتخاذ تدابير مالية معاكسة للدورة الاقتصادية، حتى برغم أنها تتمتع بالحيز المالي اللازم لتطبيقها.
وهذا يضع القسم الأعظم من عبء تثبيت الاستقرار على عاتق البنك المركزي الأوروبي ــ الذي لا يتمتع بالتفويض اللازم لتيسير الإنتاج. ولا تؤثر دورة الأعمال على سياسة البنك المركزي إلا بشكل غير مباشر، من خلال تأثيرها على أسعار المستهلك.
لكن البنك المركزي الأوروبي استنفد تقريبا أدوات السياسة النقدية غير التقليدية، مثل المشتريات الضخمة من الأوراق المالية وأسعار الفائدة السلبية. وفي حين يقدم الأدلة التي تؤكد على الفوائد الصافية المترتبة على هذه الأدوات، فقد أقر البنك المركزي الأوروبي بتأثيراتها الجانبية السلبية المحتملة، مثل تأثيرها الضار المحتمل على مرونة القطاع المصرفي وقطاع التأمين في منطقة اليورو. وعلى هذا فإن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي كان مصيبا عندما دعا الحكومات الوطنية التي تتمتع بالحيز الكافي للمناورة إلى تحمل بعض عبء تثبيت الاستقرار من خلال توفير الحوافز المالية.
عدم القيام بذلك من شأنه أن يقوض استقلالية البنك المركزي الأوروبي ويجعله محاصرا في زاوية، وهي نفس النتيجة الناجمة عن عدم معالجة القدرة الزائدة في الصناعة المصرفية في أوروبا. هذا هو اختصاص السياسة المالية، وهو يأتي مصحوبا بعواقب مرتبطة بالميزانية. ومن المؤسف أن إجبار البنك المركزي الأوروبي على استخدام ميزانيته العمومية (توفير السيولة لفترات متزايدة الطول للتعامل مع القضايا الخاصة بالملاءة المالية) أكثر جاذبية بلا منافس في نظر العديد من الساسة الوطنيين. كما أنه يجعل تقريع البنك المركزي أكثر سهولة.
الخبر السار للبنك المركزي الأوروبي هو أن صناع السياسات، بما في ذلك في هولندا المقتصدة، عادوا مرة أخرى على الأقل إلى مناقشة السياسات المالية المعاكسة للدورة الاقتصادية. ومن الواضح أن العقلاء ربما يحملون وجهات نظر مختلفة. الواقع أن أغلب المقترحات المطروحة للتعامل مع دورات التباطؤ كانت دوما ثنائية الاتجاه، والآن يبدو أن التوازن بدأ يتحول أخيرا في منطقة اليورو.
غير أن المناقشة حول السياسات يجب أن تكون أقل كلية وأكثر واقعية. فنظرا للنسخ الوطنية المتباينة من رأسمالية الرفاهة الاجتماعية، تتمتع دول منطقة اليورو بمثبتات استقرار تلقائية قوية نسبيا، وأقوى كثيرا من مثيلاتها في الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، سنجد أن بعض الدول غير مركزية من الناحية المالية. ويصدق هذا بشكل خاص على ألمانيا، حيث يأتي قسم كبير من صافي تقليص الاستثمارات في البنية الأساسية العامة ــ والذي يظهر في ميزانية القطاع العام الكلية كمدخرات أو في هيئة ميزانية "الصِفر الأسود" المنضبطة ــ نتيجة لقاعدة إيرادات هشة ورديئة التوزيع داخل الطبقة المالية الثالثة (البلديات). فرغم أنها تتبع "قواعد ذهبية" اقتصادية معقولة عن طريق الفصل بين الحسابات الجارية وحسابات الميزانية الرأسمالية، فإن العديد من البلديات تعاني من ضائقة مالية. وعلى هذا فإن علاج مشكلة "الحيز المالي" الألماني، يستلزم المزيد من التعمق.
أخيرا، تتضح الحاجة إلى قدرة معقولة (من حيث الحجم) على تثبيت الاستقرار تلقائيا على مستوى منطقة اليورو. وفي حين تُعَد أداة موازنة منطقة اليورو للتقارب والقدرة التنافسية بداية طيبة، فإنها ليست كافية في حد ذاتها. وبطبيعة الحال، لا ينبغي لها أن تتضمن بندا في الميزانية من أجل "تثبيت الاستقرار"، بل النقل الحقيقي المشروع ديمقراطيا لمسؤوليات القطاع العام الوطنية والسيادة.
من المؤسف أن السياسات الحالية في دول منطقة اليورو، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، أكثر تطلعا إلى الداخل. وهذا من شأنه أن يجعل منطقة اليورو، وخاصة الدول الأكثر ضعفا في المنطقة، عُرضة للخطر على نحو مستمر.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali