ستوكهولم ــ إن مستقبل البشرية يتوقف على إتقان عملية توازن دقيقة. وسوف يتمثل التحدي في توفير احتياجات أكثر من عشرة مليارات من البشر مع الحفاظ على منظومات دعم الحياة على كوكب الأرض في نفس الوقت. والواقع أن الرؤى العلمية الحديثة جعلتنا أفضل تجهيزاً من أي وقت مضى لإيجاد هذا التوازن. وهذه هي المهمة الأعظم التي يتعين على جيلنا أن يقوم بها.
لقد أصبح إنهاء الفقر هدفاً واقعياً لأول مرة في تاريخ البشرية. فالآن لدينا القدرة على ضمان حصول كل شخص على ظهر الكوكب على الغذاء، والماء، والمأوى، والتعليم، والرعاية الصحية، والطاقة، وكلها عناصر لازمة للحياة الكريمة وخلق الفرصة. ولكن لن يتسنى لنا تحقيق هذه الغاية إلا إذا قمنا في الوقت نفسه بحماية النظم الحيوية على كوكب الأرض: المناخ، وطبقة الأوزون، والتربة، والتنوع البيولوجي، والمياه العذبة، والمحيطات، والغابات، والهواء. وهذه الأنظمة تخضع حالياً لضغوط غير مسبوقة.
على مدى عشرة آلاف عام الأخيرة، كان مناخ الأرض مستقراً إلى حد غير عادي. فكانت درجات الحرارة العالمية ترتفع وتنخفض بما لا يتجاوز درجة مئوية واحدة (مقارنة بتقلبات تجاوزت ثماني درجات مئوية ارتفاعاً وانخفاضاً خلال العصر الجليدي الأخير)، وتمكنت النظم الإيكولوجية البيئية المرنة الصامدة من تلبية احتياجات البشرية. وهذه الفترة ــ المعروفة باسم الهولوسين ــ وفرت الاستقرار الذي مكن الحضارة البشرية من الصعود والازدهار. وهي الحالة الوحيدة لكوكب الأرض بين حالاته التي نعرفها والتي يمكنها دعم حياة مزدهرة لنحو عشرة مليارات من البشر.
لكن البشر أصبحوا الآن المحرك الأكبر المنفرد لتغير الأنظمة الإيكولوجية على الأرض، وهو ما يؤذن ببدء عصر جيولوجي جديد يسميه البعض أنثروبوسين. ويتفق العلماء على نقطة الانطلاق الحقيقية لهذه الحقبة، ولكن بوسعنا أن نؤرخ بدايتها بوقت ما حول عام 1945، عندما بدأ التوسع السريع للصناعة والزراعة الحديثة. وفي المستقبل، سوف يرى الجيولوجيون علامات دالة مثل الكربون المشع ــ الحطام الناتج عن الانفجارات النووية ــ والمخلفات البلاستيكية المنتشرة في مختلف أنحاء سطح الكوكب والمطمورة في الصخر.
في وقت أقرب إلى الحاضر، شهد النشاط البشري ما يسمى التسارع العظيم: التكثيف السريع لاستهلاك الموارد والتدهور البيئي. ونحن نخاطر بتعطيل النظم الحيوية على كوكب الأرض، ومعها الحضارة الحديثة ذاتها.
ومن المرجح أن تكون استجابة الكوكب لضغوطنا غير متوقعة. والواقع أن المفاجآت بدأت بالفعل. ففي حين نفرط في السحب من حسابات كوكبنا، بدأ يفرض العقوبات على الاقتصاد العالمي، في هيئة أحداث الطقس المتطرفة، وتسارع ذوبان الصفائح الجليدية، والخسارة السريعة للتنوع البيولوجي، وتبييض الشعاب المرجانية على نطاق واسع.
At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.
Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.
Subscribe Now
الحق أننا نواجه حاجة ملحة إلى تحديد منطقة أمان تمنعنا من دفع كوكبنا إلى خارج حالة الهولوسين المعطاءة. والواقع أن إطار الحدود الكوكبية، الذي يتألف من مجموعة من العلماء، ومنهم أحدنا (يوهان)، والذي نشر أول مرة في عام 2009، يقوم بهذه المهمة على وجه التحديد. وهو يعتمد على أفضل العلوم لتحديد العمليات الكوكبية الأساسية التي تنظم قدرة الأرض على الحفاظ على ظروف أشبه بظروف الهولوسين. وهو يقترح لكل من هذه العمليات حداً معينا ــ سقفاً كميا ــ نخاطر بتجاوزه باستحثاث تغيرات سريعة مفاجئة ربما تدفع كوكبنا إلى حالة أكثر عداءً للبشرية.
وتشمل هذه الحدود التسعة تغير المناخ، واستنفاد طبقة الأوزون، وتحمض المحيطات، والتدخل في دورات النيتروجين والفوسفور العالمية، وتغير استخدامات الأراضي، واستخدام المياه العذبة على مستوى العالم، وسلامة المحيط الحيوي، وتلوث الهوان، والكيانات الجديدة (مثل الملوثات العضوية، والمواد المشعة، والمواد النانوية، والجزيئات البلاستيكية الدقيقة). وما يثير القلق أن آخر تحديث قمنا به في يناير/كانون الثاني، والذي يؤكد الحدود التسعة ويحسن من عمليات قياسها كميا، يشير إلى أن البشرية تجاوزت بالفعل أربعة حدود: تغير المناخ، واستخدام النيتروجين والفوسفور، وخسارة التنوع البيولوجي، وتغير استخدامات الأراضي.
يتمثل التحدي الذي يواجهنا في إعادة أنظمة الأرض مرة أخرى إلى منطقة الأمان، وفي الوقت نفسه ضمان حصول كل شخص على الموارد التي يحتاج إليها لكي يعيش حياة سعيدة ومشبعة. وبين هذه الحدود الكوكبية والاجتماعية تقع مساحة عاملة تتسم بالأمن والعدالة: الحدود التي يتعين علينا أن نحترمها إن كنا راغبين في تمكين عالَمنا من الصمود إيكولوجياً وبيئياً وتحريره من الفقر.
سوف يتطلب تحقيق هذه الأهداف توزيعاً أكثر عدالة وإنصافاً لموارد الكوكب وقدراً أعظم كثيراً من الكفاءة في كيفية استخدامها. وإذا كان لنا أن نضمن استمرار كوكبنا في دعم ازدهار البشرية، فسوف يكون لزاماً علينا أن نلاحق نموذجاً جديداً لتحقيق الرخاء والازدهار.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
With German voters clearly demanding comprehensive change, the far right has been capitalizing on the public's discontent and benefiting from broader global political trends. If the country's democratic parties cannot deliver, they may soon find that they are no longer the mainstream.
explains why the outcome may decide whether the political “firewall” against the far right can hold.
The Russian and (now) American vision of "peace" in Ukraine would be no peace at all. The immediate task for Europe is not only to navigate Donald’s Trump unilateral pursuit of a settlement, but also to ensure that any deal does not increase the likelihood of an even wider war.
sees a Korea-style armistice with security guarantees as the only viable option in Ukraine.
Rather than engage in lengthy discussions to pry concessions from Russia, US President Donald Trump seems committed to giving the Kremlin whatever it wants to end the Ukraine war. But rewarding the aggressor and punishing the victim would amount to setting the stage for the next war.
warns that by punishing the victim, the US is setting up Europe for another war.
Within his first month back in the White House, Donald Trump has upended US foreign policy and launched an all-out assault on the country’s constitutional order. With US institutions bowing or buckling as the administration takes executive power to unprecedented extremes, the establishment of an authoritarian regime cannot be ruled out.
The rapid advance of AI might create the illusion that we have created a form of algorithmic intelligence capable of understanding us as deeply as we understand one another. But these systems will always lack the essential qualities of human intelligence.
explains why even cutting-edge innovations are not immune to the world’s inherent unpredictability.
ستوكهولم ــ إن مستقبل البشرية يتوقف على إتقان عملية توازن دقيقة. وسوف يتمثل التحدي في توفير احتياجات أكثر من عشرة مليارات من البشر مع الحفاظ على منظومات دعم الحياة على كوكب الأرض في نفس الوقت. والواقع أن الرؤى العلمية الحديثة جعلتنا أفضل تجهيزاً من أي وقت مضى لإيجاد هذا التوازن. وهذه هي المهمة الأعظم التي يتعين على جيلنا أن يقوم بها.
لقد أصبح إنهاء الفقر هدفاً واقعياً لأول مرة في تاريخ البشرية. فالآن لدينا القدرة على ضمان حصول كل شخص على ظهر الكوكب على الغذاء، والماء، والمأوى، والتعليم، والرعاية الصحية، والطاقة، وكلها عناصر لازمة للحياة الكريمة وخلق الفرصة. ولكن لن يتسنى لنا تحقيق هذه الغاية إلا إذا قمنا في الوقت نفسه بحماية النظم الحيوية على كوكب الأرض: المناخ، وطبقة الأوزون، والتربة، والتنوع البيولوجي، والمياه العذبة، والمحيطات، والغابات، والهواء. وهذه الأنظمة تخضع حالياً لضغوط غير مسبوقة.
على مدى عشرة آلاف عام الأخيرة، كان مناخ الأرض مستقراً إلى حد غير عادي. فكانت درجات الحرارة العالمية ترتفع وتنخفض بما لا يتجاوز درجة مئوية واحدة (مقارنة بتقلبات تجاوزت ثماني درجات مئوية ارتفاعاً وانخفاضاً خلال العصر الجليدي الأخير)، وتمكنت النظم الإيكولوجية البيئية المرنة الصامدة من تلبية احتياجات البشرية. وهذه الفترة ــ المعروفة باسم الهولوسين ــ وفرت الاستقرار الذي مكن الحضارة البشرية من الصعود والازدهار. وهي الحالة الوحيدة لكوكب الأرض بين حالاته التي نعرفها والتي يمكنها دعم حياة مزدهرة لنحو عشرة مليارات من البشر.
لكن البشر أصبحوا الآن المحرك الأكبر المنفرد لتغير الأنظمة الإيكولوجية على الأرض، وهو ما يؤذن ببدء عصر جيولوجي جديد يسميه البعض أنثروبوسين. ويتفق العلماء على نقطة الانطلاق الحقيقية لهذه الحقبة، ولكن بوسعنا أن نؤرخ بدايتها بوقت ما حول عام 1945، عندما بدأ التوسع السريع للصناعة والزراعة الحديثة. وفي المستقبل، سوف يرى الجيولوجيون علامات دالة مثل الكربون المشع ــ الحطام الناتج عن الانفجارات النووية ــ والمخلفات البلاستيكية المنتشرة في مختلف أنحاء سطح الكوكب والمطمورة في الصخر.
في وقت أقرب إلى الحاضر، شهد النشاط البشري ما يسمى التسارع العظيم: التكثيف السريع لاستهلاك الموارد والتدهور البيئي. ونحن نخاطر بتعطيل النظم الحيوية على كوكب الأرض، ومعها الحضارة الحديثة ذاتها.
ومن المرجح أن تكون استجابة الكوكب لضغوطنا غير متوقعة. والواقع أن المفاجآت بدأت بالفعل. ففي حين نفرط في السحب من حسابات كوكبنا، بدأ يفرض العقوبات على الاقتصاد العالمي، في هيئة أحداث الطقس المتطرفة، وتسارع ذوبان الصفائح الجليدية، والخسارة السريعة للتنوع البيولوجي، وتبييض الشعاب المرجانية على نطاق واسع.
Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.
Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.
Subscribe Now
الحق أننا نواجه حاجة ملحة إلى تحديد منطقة أمان تمنعنا من دفع كوكبنا إلى خارج حالة الهولوسين المعطاءة. والواقع أن إطار الحدود الكوكبية، الذي يتألف من مجموعة من العلماء، ومنهم أحدنا (يوهان)، والذي نشر أول مرة في عام 2009، يقوم بهذه المهمة على وجه التحديد. وهو يعتمد على أفضل العلوم لتحديد العمليات الكوكبية الأساسية التي تنظم قدرة الأرض على الحفاظ على ظروف أشبه بظروف الهولوسين. وهو يقترح لكل من هذه العمليات حداً معينا ــ سقفاً كميا ــ نخاطر بتجاوزه باستحثاث تغيرات سريعة مفاجئة ربما تدفع كوكبنا إلى حالة أكثر عداءً للبشرية.
وتشمل هذه الحدود التسعة تغير المناخ، واستنفاد طبقة الأوزون، وتحمض المحيطات، والتدخل في دورات النيتروجين والفوسفور العالمية، وتغير استخدامات الأراضي، واستخدام المياه العذبة على مستوى العالم، وسلامة المحيط الحيوي، وتلوث الهوان، والكيانات الجديدة (مثل الملوثات العضوية، والمواد المشعة، والمواد النانوية، والجزيئات البلاستيكية الدقيقة). وما يثير القلق أن آخر تحديث قمنا به في يناير/كانون الثاني، والذي يؤكد الحدود التسعة ويحسن من عمليات قياسها كميا، يشير إلى أن البشرية تجاوزت بالفعل أربعة حدود: تغير المناخ، واستخدام النيتروجين والفوسفور، وخسارة التنوع البيولوجي، وتغير استخدامات الأراضي.
يتمثل التحدي الذي يواجهنا في إعادة أنظمة الأرض مرة أخرى إلى منطقة الأمان، وفي الوقت نفسه ضمان حصول كل شخص على الموارد التي يحتاج إليها لكي يعيش حياة سعيدة ومشبعة. وبين هذه الحدود الكوكبية والاجتماعية تقع مساحة عاملة تتسم بالأمن والعدالة: الحدود التي يتعين علينا أن نحترمها إن كنا راغبين في تمكين عالَمنا من الصمود إيكولوجياً وبيئياً وتحريره من الفقر.
سوف يتطلب تحقيق هذه الأهداف توزيعاً أكثر عدالة وإنصافاً لموارد الكوكب وقدراً أعظم كثيراً من الكفاءة في كيفية استخدامها. وإذا كان لنا أن نضمن استمرار كوكبنا في دعم ازدهار البشرية، فسوف يكون لزاماً علينا أن نلاحق نموذجاً جديداً لتحقيق الرخاء والازدهار.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali