trump tariff hikes rally NICHOLAS KAMM/AFP/Getty Images

ماذا وراء حرب ترمب التجارية؟

واشنطن، العاصمة ــ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سجلت التجارة نموا أسرع بنحو 50% من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى جولات تحرير التجارة المتتالية تحت رعاية منظمة التجارة العالمية (الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة، أو الجات، سابقا). ولكن الآن، ربما تتسبب الجرعة الأخيرة من تعريفات الاستيراد التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في دفع العالَم إلى حرب تجارية شاملة، وبالتالي القضاء على قدر كبير من هذا التقدم.

كان أنصار التجارة الحرة يحتفلون دوما بنمو التجارة الدولية لأنهم ينظرون إليها على أنها دليل على استفادة الدول من ميزاتها النسبية من خلال التخصص، وهذا يعني ضمنا زيادة الكفاءة في الإجمال. على النقيض من هذا، يخشى منتقدو التجارة الحرة أنها ربما تحصر أنشطة الدول الفقيرة في إنتاج السلع التي لا توفر مساحة كافية لنمو الإنتاجية، ويشيرون إلى أنه حتى إذا كانت هناك مكاسب كلية من العولمة، فهناك خاسرون واضحون أيضا.

الواقع أن قِلة قد يختلفون حول كون نظرية الميزة النسبية الثابتة دليلا هزيلا لسياسات التنمية. وهناك احتياج إلى إطار أكثر ديناميكية لتحديد ما إذا كانت التجارة قد تجلب المعرفة والتعلم أيضا إلى أسواق جديدة. إذا كانت قادرة على ذلك فإنها قد تعمل كمحرك للنمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي في المستقبل.

في مجمل الأمر، هناك أدلة دامغة تؤكد أن التجارة ساعدت بالفعل في إثراء الدول النامية حيثما جرى توظيف سياسات داعمة لها. وبمرور الوقت، تعلمت الدول النامية كيف تعمل على تكميل سياسات التجارة بقدر أكبر من الاستثمارات في البنية الأساسية والتعليم. ولكن الآن وقد أصبح نظام التجارة العالمية تحت الهجوم من قِبَل الولايات المتحدة، فإن السؤال من منظور الدول النامية هو كيف يجب أن يكون ردها على هذا الهجوم.

لتبرير تعريفاته، يشير ترمب إلى العجز التجاري الأميركي الثنائي (والمتعدد الأطراف) مع شركائها التجاريين. ولكن في حين قد تعمل التعريفات على تغيير تركيبة التدفقات التجارية، فإنها لن تخلف تأثيرا يُذكَر على رصيد الحساب الجاري، الذي يتحدد وفقا للمدخرات والاستثمارات الوطنية. فإذا كانت المدخرات أقل من الاستثمارات ــ كما هي الحال في الولايات المتحدة ــ فسوف ينشأ عجز الحساب الجاري بالضرورة.

من المؤكد أن التعريفات قد تخلف أثرا عَرَضيا على ميزان الحساب الجاري. فهي كمثل الضريبة المفروضة على المستهلكين المحليين وإعانات الدعم المقدمة لمنتجين محليين بعينهم، تعمل التعريفات الجمركية على تقليص الدخل المتاح لإنفاق المستهلكين وتضخيم الدخل الرأسمالي. وبقدر زيادة المدخر من الدخل الرأسمالي نسبة إلى دخل العمل، تعمل التعريفات على زيادة معدل الادخار الإجمالي لأي اقتصاد. بيد أن تأثير هذه الزيادة على ميزان المدخرات في مقابل الاستثمارات ضعيف وغير مباشر.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

على المستوى الجزئي، ربما يزعم ترمب أن التعريفات ضرورية لحماية قطاعات بعينها. لكن العديد من السلع التي تستوردها الولايات المتحدة تحتوي في حقيقة الأمر على مدخلات وسيطة منتجة محليا في الأصل (وهذه هي نفس الحال بالنسبة للصين بشكل خاص). وعلى هذا، فلكي يتسنى لنا تقرير ما إذا كانت التعريفات تعمل حقا على حماية القيمة المضافة ــ الأجور والأرباح ــ في قطاع بعينه في الولايات المتحدة، يتعين علينا أن نضع في الحسبان أيضا القيمة المضافة الأميركية داخل الواردات التي تواجه الخضوع للضريبة الآن. وإذا افترضنا أن مستشاري ترمب شرحوا له هذه التعقيدات، فلا يسعنا إلا أن نتساءل حول منطقه الحقيقي وراء هذه القضية برمتها.

برغم أن رغبة ترمب في دعم الصناعات المهمة سياسيا والحد من عجز الحساب الجاري الأميركي لعبت بكل تأكيد دورا ملموسا في تشكيل سياسته التجارية، فمن الواضح أن هدفه الرئيسي هو منظمة التجارة العالمية والتعددية التي تمثلها. ويبدو أن ترمب يتصور أن التعددية تضعف قوة أميركا، خاصة وأن الولايات المتحدة تستطيع دوما استخدام نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي للفوز في أي نزاع ثنائي. لكن ما لم يدركه هو أن حتى الدولة الأقوى في العالَم تظل في احتياج إلى قواعد عالمية محايدة ومؤسسات نزيهة وغير منحازة للإشراف على إنفاذ هذه القواعد.

على مدار السنوات السبعين المنصرمة، تطور نظام الجات/منظمة التجارة العالمية إلى ترتيب متعدد الأطراف تنطبق بموجبه نفس القواعد على كل الدول على حد سواء. هذا لا يعني أن الدول الأكبر حجما والأكثر ثراء تفتقر إلى المزايا التي تجعلها متفوقة على الدول الأصغر حجما والأفقر. فالدولة بحجم الولايات المتحدة قادرة على تخصيص المزيد من الموظفين والمتخصصين لدعم منتجيها في المفاوضات التجارية المعقدة، في حين تلاحق أيضا دبلوماسية موازية (قناة خلفية). لكن منظمة التجارة العالمية تُعَد من الناحية القانونية تجمعا يتألف من متساوين. وتعني فقرة "الدولة الأكثر حظوة" أن أي ميزة مقدمة إلى منتجي دولة بعينها لابد أن تمتد إلى الجميع.

لعل الأمر الأكثر أهمية هو أن منظمة التجارة العالمية لديها آلية لتسوية النزاعات توفر الحل السريع للخلافات القائمة بين الدول الأعضاء. ورغم أن الولايات المتحدة فازت بأغلب القضايا التي أقامتها أمام لجنة التحكيم التابعة لمنظمة التجارة العالمية، فإنها خسرت بعضها أيضا. وفي ظل قدرتها على إصدار أحكام ملزمة، تشكل آلية تسوية النزاعات خاصية فريدة في منظمة التجارة العالمية. ولا تملك أي هيئة أخرى متعددة الأطراف مثل هذه الآلية.

هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها تحسين النظام المتعدد الأطراف بطبيعة الحال. وينبغي لمؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي أن تعكف على استنباط سبل جديدة للتصدي لنفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى المتنامي؛ وتحتاج سياسة المنافسة إلى التوافق مع القرن الحادي والعشرين. وربما يكون من المناسب أيضا أن تتبنى منظمة التجارة العالمية شكلا من أشكال التصويت المرجح، الأشبه بذلك الإجراء الذي يستخدمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

أما عن انتقاد العولمة لأنها تنتج فائزين وخاسرين، فإن هذا لا يشكل حجة ضد التجارة؛ بل هي حجة لصالح انتهاج سياسات كفيلة بتعويض أولئك الذين تخلفوا عن الركب. وعلى هذا فإن أولئك الذين انتقدوا منظمة التجارة العالمية بحق في الماضي ينبغي لهم أن يوحدوا قواهم مع مؤيديها. فكل من الجانبين لديه مصلحة في الدفاع عن هذه المؤسسة الرئيسية من مؤسسات الحوكمة العالمية ضد الأحادية الكارهة للأجانب التي تجسدها سياسات ترمب.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/WneyTwhar