heal3_DANIEL LEALAFP via Getty Images_windfarm Daniel Leal/AFP via Getty Images

ما هو الإنجاز الذي قد يحققه مؤتمر الأطراف 28 (COP28)؟

نيويورك ــ اقترب موسم مؤتمر الأطراف. ومن منظور المهتمين الواعين بقضية المناخ، يُـعَـد المؤتمر السنوي لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) من الأحداث الثابتة في تقويم آخر العام وفرصة لتقييم أهدافنا، واحتياجاتنا، وإنجازاتنا. في كل عام، نمضي أسبوعين منشغلين بحدث يدور بعيدا على أمل أن يحرز المفاوضون تقدما حقيقيا نحو تخفيف التهديد الذي يفرضه تغير المناخ. لكن لكيلا يخرج ما ننتظره من مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين عن حدود الواقع، يتعين علينا أن نفهم ماذا يستطيع مؤتمر الأطراف أن يفعل وماذا يخرج عن نطاق استطاعته.

نحن نعمل بثبات على إزالة الكربون من اقتصاداتنا. وفي غضون عشر سنوات ستصبح طاقة الرياح والطاقة الشمسية المصدرين الرئيسيين للكهرباء، ومن المرجح أن تتجاوز مبيعات المركبات الكهربائية نظيراتها من المركبات التي تعمل بمحرك احتراق داخلي. وفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المنتظر أن يتجه استهلاك العالَـم من الوقود الأحفوري إلى الانخفاض بحلول عام 2030. ورغم أن هذا الموعد قد يكون متأخرا إلى الحد الذي يجعل من غير الممكن الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية بما لا يتجاوز درجتين مئويتين، ناهيك عن 1.5 درجة مئوية، فوق مستويات ما قبل الصناعة، فإنه أقرب مما كنا لنتوقع قبل فترة وجيزة.

لكن قدرا ضئيلا من هذا التقدم من الممكن أن يُـعـزى بشكل مباشر إلى مؤتمرات الأطراف، بما في ذلك مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين في عام 2015، والذي انبثق عنه اتفاق باريس للمناخ. الواقع أن اتفاق باريس لم يتناول بشكل خاص أي شيء محدد بشأن المركبات الكهربائية أو طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية. بل إن شركة تسلا هي المسؤولة عن نمو مبيعات المركبات الكهربائية: فكان النجاح التجاري الذي حققه الطراز S الذي تنتجه الشركة سببا في دفع غيرها من شركات صناعة السيارات الراقية إلى تطوير منتجات منافِـسة بدأت تظهر الآن لأول مرة.

تُـرى هل توجد أي علاقة ارتباط بين مؤتمرات الأطراف ونجاح شركة تسلا؟ لو وُجِـدَت أي علاقة بين الأمرين فهي غير مباشرة. خلال مراحل نموها المبكرة، استفادت تسلا بدرجة كبيرة من ضوابط متوسط الاقتصاد في استخدام الوقود المفروضة على الشركات في الولايات المتحدة، والتي مكنتها من بيع أرصدة الانبعاثات الصِـفرية لشركات مُـصَـنِّـعة أخرى. في بعض الأحيان، تجاوزت إيراداتها من مبيعات أرصدة الانبعاثات الصفرية تلك التي تحصلها من مبيعات السيارات.

ترجع ضوابط الاقتصاد في استخدام الوقود إلى عام 1975، قبل عشرين عاما من انعقاد أول مؤتمرات الأطراف. لكنها ازدادت إحكاما بمرور الوقت، وهي العملية التي ربما تعكس جزئيا الوعي المتزايد، الذي عززته مؤتمرات الأطراف، بالتحدي الذي يفرضه تغير المناخ. على نحو مماثل، ربما شجعت مؤتمرات الأطراف إعانات الدعم، في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي استفادت منها شركة تسلا في وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، بعد أن أصبحت بالفعل قوة رئيسية في صناعة السيارات.

أما عن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فقد تسبب الانخفاض الحاد الذي طرأ على التكاليف في دفع النمو الهائل الذي حققته. فخلال الفترة من 2009 إلى 2019، انخفضت تكلفة الطاقة الشمسية من 0.36 من الدولار لكل كيلواط/ساعة إلى 0.03 من الدولار. ويُـعزى هذا الانخفاض الشديد إلى عاملين رئيسيين: اقتصاديات الحجم الكبير، التي خفضت تكاليف إنتاج كل رقاقة سيليكون، والتعلم بالممارسة الذي أدى إلى عمليات تصنيع أكثر كفاءة ــ وبالتالي أقل تكلفة. وكل من العاملين يساعد في إدامة حلقة حميدة: فمع زيادة استخدام الطاقة الشمسية، تنخفض التكاليف، وهذا بدوره يزيد من تسارع وانتشار تبني الطاقة الشمسية.

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

انطلقت هذه العملية بتبني ألمانيا تعريفات التغذية الكهربائية السخية للطاقة الشمسية في عام 2000. وفي وقت لاحق، بدأت الحكومة الصينية الاستثمار بكثافة في الطاقة الشمسية، التي اعتبرتها صناعة على جانب كبير من الأهمية الاستراتيجية. ومرة أخرى، ربما عمل الوعي المتزايد بتغير المناخ الذي تولد عن مؤتمرات الأطراف على تشجيع هذه التحركات السياسية المهمة.

في حالة طاقة الرياح البحرية، كان انخفاض التكاليف مدفوعا إلى حد كبير بجهود شركتي Ørsted وEquinor السويديتين اللتين استفادتا من خبرتهما في مجال حقول النفط والغاز البحرية لتطوير مزارع الرياح البحرية، التي تستخدم كثيرا من التكنولوجيات ذاتها. وساعدت إعانات الدعم الحكومية التكنولوجيا الوليدة لتصبح مُـجدية تجاريا.

باختصار، يعكس التقدم في إزالة الكربون في المقام الأول الاختراقات التكنولوجية التي جلبتها مشاريع تسعى إلى تحقيق الربح بمساعدة وتوجيه سياسات حكومية داعمة. وربما تبلورت هذه السياسات بفضل المناقشات التي تدور داخل مؤتمرات الأطراف وما يحيط بها من دعاية، وإن لم تكن نتيجة لتوجيهات محددة من تلك الاجتماعات ولم يشتمل عليها اتفاق باريس.

ما الذي ينبغي لنا إذن أن نأمل في أن يسفر عنه مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين؟ من الممكن أن تنتج مؤتمرات الأطراف نوعين من النتائج الإيجابية. الأول يتمثل في نتائج "الصورة الكبيرة"، مثل مواصلة الضغط على الحكومات والشركات لحملها على خفض الانبعاثات. وهنا، من الأهمية بمكان ألا نكتفي بإعادة التأكيد على أهمية خفض الانبعاثات إلى المستوى صِـفر، وأن نسلط الضوء على حقيقة مفادها أن الطريق لا يزال أمامنا طويلا، ولكن يجب أن نعترف أيضا بالتقدم الذي تحقق بالفعل.

النوع الثاني من النتائج أكثر تفصيلا ودقة. يجب أن يكون مؤتمر الأطراف هذا العام بداية لعملية من شأنها أن توضح العناصر التي تشكل التعويض عن الكربون على نحو فَـعّـال مُـلزِم. تتوقع شركات عديدة حاليا خفض انبعاثاتها، ولكن ليس إزالتها بالكامل، على افتراض أنها قادرة على شراء تعويضات الكربون للوصول إلى الصفر الصافي. ولكن من الواضح أن العالم من غير الممكن أن يصل إلى مستوى الصِـفر من الانبعاثات ــ وهو الهدف المطلق ــ ما دام هناك من يستمر في إصدار الانبعاثات.

على ذات القدر من الأهمية، بات من الواضح في الآونة الأخيرة أن عددا كبيرا من تعويضات الكربون الطوعية بلا أي قيمة، حيث أنها لا تلبي معيار الإضافية (ما يضمن أن تخفيضات الانبعاثات ذات الصِـلة لم تكن لتحدث في غياب الدعم من مبيعات ائتمان الكربون)، أو لا تتجنب التسريب (تحويل الانبعاثات إلى أماكن أخرى). يجب أن تتولى هيئة دولية وضع معايير واضحة لصلاحية التعويضات وفرض القيود على استخدامها، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ هي المرشح الواضح في هذا الصدد.

الحق أن مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين من الممكن أن يعمل على تشجيع مزيد من العمل المناخي، بما في ذلك إدخال أو تعزيز السياسات الكفيلة بدفع الاختراقات التكنولوجية الخافضة للانبعاثات، فضلا عن تسليم كتاب القواعد اللازم بشدة بشأن قضايا فنية مهمة، مثل استخدام التعويضات. ونجاح هذه السياسات يعتمد بشكل كامل على التنفيذ.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/guarloYar