كمبريدج ــ تخيل أنك تُـبـتَـلى على نحو منتظم بفيروسات لا توجد لها لقاحات. هذه هي الحياة في ظل هياكل الحوكمة العالمية والقانون الدولي الحالية. إن مشاكلنا دولية، لكن حلولنا وطنية. وعالمنا مترابط، لكن مؤسساتنا منعزلة أو بلا أنياب. في ظل هذه الظروف، تصبح الأزمات حتمية، ومزمنة، وربما مستعصية على الحل.
إلى هنا، في الرابع والعشرين من فبراير/شباط، غزا الجيش الروسي أوكرانيا، فانتهك بذلك حرمة الحدود المفترضة وافتتح حقبة جديدة من الصراع لم نشهد لها مثيلا منذ الحرب الباردة، أو ربما حتى منذ الحرب العالمية الثانية. في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2019 أو نحو ذلك، ظهر إلى الوجود نوع جديد من فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية؛ وبدلا من إخطار العالَـم، أخفت السلطات الصينية في مستهل الأمر الأخبار عن هذه الفاشية الـمَـرَضية، مما أدى إلى اندلاع جائحة أفضت إلى توقف الاقتصاد العالمي. في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2008، كشف انهيار شركة الخدمات المالية ليمان براذرز عن خطر جهازي لم تنتبه إليه أي هيئة حكومية عالمية، الأمر الذي تسبب في إسقاط سلسلة عالمية من أحجار الدومينو وإحداث فوضى استغرق تنظيفها سنوات. وتطول القائمة.
يصف علماء الاجتماع مثل هذه المواقف بأنها "مشكلات العمل الجمعي": كل طرف له مصلحة بعيدة الأمد في التعاون لكن هذه المصلحة يتغلب عليها حافز التصرف بأنانية في الأمد القريب. مثل هذه المشكلات يجب أن تعالج بالاستعانة بالمؤسسات والأجهزة التنظيمية التي تغير حوافز الأفراد. تتراوح الحلول من الخصخصة (ترتيبات "الدفع مقابل كل استخدام")، إلى الدولة القوية القادرة على فرض المعايير بالقانون، إلى ظهور أخلاقيات مشتركة.
عندما نفكر في المشكلات العالمية "الـمُـعدية"، يتعين علينا أن نعيد النظر في فهمنا للعمل الجمعي. نحن نستمر في التركيز على الدولة القومية، حتى برغم أن الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، ومسببات الأمراض، والانتشار النووي، والبيانات، لا تحترم السيادة الإقليمية.
قد تكون النظرية القانونية قادرة على المساعدة. كما يقول الفيلسوف هربرت هارت، يمكننا التفكير في أي نظام قانوني على أنه اتحاد بين "قواعد أساسية" (قواعد) و"قواعد ثانوية" ("قواعد حول القواعد"). لابد وأن تكون أهمية القواعد الأساسية واضحة. إذ تحتاج أي مجموعة من الأفراد إلى بعض القواعد الأساسية التي تحكم تصرفاتها على الأقل لتتمكن من البقاء، هذا هو السبب الذي يجعل كل المجتمعات تقريبا تفرض قواعد صارمة ضد القتل.
ولكن كما كتب المحامي والباحث في حياة وعادات وتقاليد الشعوب إدوين سيدني هارتلاند في عام 1924، فإن المجتمع الذي يتبع قواعد أساسية حصرا يفرض بذلك قانونا بدائيا فقط، أو "الأعراف التي كانت تحكم المجتمعات في زمن ثقافات أدنى، الأعراف التي حكمت الجماعات المتوحشة من البشر. كانت شرعية هذه الأعراف تعتمد على قبولها والاعتراف بها، حيث لم تكن القوانين مكتوبة".
At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.
Subscribe Now
عندما انتقلنا من الماضي "البدائي" قبل القانوني" إلى الحاضر "الحديث"، اختارت كتلة حرجة من البشر فعليا قاعدة فوقية سمحت بتغيير السلوك إلزاميا لخدمة الصالح العام. اتفقنا على منح سلطة صنع القواعد للسلطة الحاكمة، التي قد تتخذ هيئة شخص، مثل إمبراطور، أو فكرة مجردة مثل البرلمان، مما يعطي القانون "القوة المعيارية العامة". بعد مرور قرن من الزمن منذ كان هارتلاند يدون أفكاره، نحن مدينون بالعديد من أكبر مشكلاتنا الجمعية لحقيقة مفادها أن نظامنا القانوني الدولي لا يزال إلى حد كبير "بدائيا". إذا استخدمنا مصطلحاته القديمة فيمكننا أن نقول إننا كمجتمع عالمي في وضع يذكرنا بـ"المتوحشين".
ما يدعو إلى التفاؤل أن قصة أصل الأنظمة القانونية الوطنية ربما تُـظـهِـر لنا كيف يمكننا إنشاء نظام فَـعّـال حقا للقانون الدولي. أفضل طريق للمضي قدما يمر عبر مملكة الإدراك الاجتماعي، ويتمثل في تحديث طريقة تفكيرنا في أنفسنا ومكاننا في مجتمع أوسع. ومثلما تحولنا ذات يوم من قبائل متجانسة مختلفة إلى دول قومية محددة بشكل تعسفي بعض الشيء، يتعين علينا الآن أن نعمل على دمج هوياتنا الوطنية في نظام سياسي عالمي متماسك أخلاقيا. قد يبدو هذا وكأنه تغير كبير؛ لكنه يشكل قفزة أصغر كثيرا من تلك التي حققها البشر عندما كرسنا فكرة "الدولة" في القانون وفي وعينا الجمعي.
على حد تعبير العالِـم السياسي بنديكت أندرسون في مناسبة شهيرة، فإن الأمم عبارة عن "مجتمعات متخيلة". وبعيدا عن كونها تكوينا عضويا أو طبيعيا مشبعا بسلامة الأرض على نحو غير قابل للتصرف، فإن الأمة تتألف من سرد يشمل كل شيء من الأيقونية الرمزية الانتقائية إلى الدساتير والخرائط. وهذه المكونات هي التي تدفع الروح الفردية إلى الاندماج في الهوية الجمعية التي بدورها تحفظ فكرة الأمة.
لكن هذه العملية لا تتوج بالضرورة بما نسميه الدولة القومية. فهناك فئات أخرى بارزة أخلاقيا ومعرفيا. توصل بحث أجرته العالِـمة الاجتماعية ساسكيا ساسين إلى أن سكان "المدن العالمية" تجمع بينهم قواسم مشتركة أكثر كثيرا من تلك التي تجمعهم ببقية مواطنيهم. فلا تستند الهويات الجمعية التي نؤكد عليها إلى حقائق تجريبية (مثل التاريخ المشترك أو اللغة المشتركة) بقدر ما تستند إلى البنية الاجتماعية. على سبيل المثال، تتألف دولة مثل الكاميرون من خليط يجمع بين 250 مجموعة من السكان الأصليين المتميزين ونحو 200 لغة. وقد شهدنا بالفعل، فضلا عن ذلك، تطور نظام قانوني عبر وطني فَـعّـال في الاتحاد الأوروبي.
في محاولة لتوجيه مزاج معسكر أنصار الخروج في الاستفتاء على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمام مؤتمر حزب المحافظين في ذلك العام، "إذا كنتم تظنون أنكم مواطنون للعالم فأنتم مواطنون للا مكان". لكن احتضان الأصولية الوطنية المعادية للمهاجرين تعادل إنكار حقيقة العالم الذي نعيش فيه.
إن فكرة "المواطن العالمي" ليست بنية نخبوية جديدة. إذ يرجع هذا المفهوم إلى القرن الرابع قبل الميلاد، عندما وصف الكلبيون اليونانيون (أنصار الفلسفة التشاؤمية) والرواقيون أنفسهم بأنهم "مواطنون كونيون" (citizens of the cosmos). (من هناك جاء المصطلح كوزموبوليتاني cosmopolitan). من المناسب إذن أن تنطلق واحدة من المحاولات الحالية لإنشاء نظام حكم سياسي دولي من اليونان، في هيئة منظمة يانيس فاروفاكيس "التقدمية الدولية".
علاوة على ذلك، من البديهي ببساطة أن تتجاوز التزاماتنا تجاه الآخرين روابط القرابة أو المواطنة القومية. على حد تعبير الفيلسوف كوامي أنتوني أييا، فإن "حدود الأمة لا أهمية لها من الناحية الأخلاقية ــ فحوادث التاريخ ليس لها سلطة شرعية على ضمائرنا". ولأن مشكلاتنا الأكثر إلحاحا لا يمكن حلها إلا على نطاق كوكبي، فإن ما نحتاج إليه هو ثورة أخلاقية تحملنا على تعهد بنية مؤسسية دولية فيدرالية جديدة، حيث تتحد "القواعد الأساسية" للقانون الوطني مع "القواعد الثانوية" للقانون الدولي من أجل خلق نظام دولي جديد.
الحق أن الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم العالمي المعطل الحالي أرسيت أثناء أيام الحربين العالميتين المظلمة. ويجب أن تكون الأخطار التي نواجهها الآن كافية لتحفيزنا على إعادة تصور موقع مجتمعاتنا في العالم وخلق تراصف جديد للمصالح الفردية والجماعية. بوسعنا أن نرى أحد الأمثلة المبكرة في الدعم الشعبي العريض لاتفاقية باريس للمناخ التي أبرمت عام 2015، أو الحشد الدولي الذي يقاتل للدفاع عن أوكرانيا بدعوة من الرئيس فولوديمير زيلينسكي. لكي يتسنى لنا حل مشكلات العمل الجمعي الأخرى التي تواجهنا، سواء كانت تغير المناخ أو تهديد الحرب النووية، يتعين علينا أن نسرد قصة مختلفة حول من نكون وأين تكمن سيادتنا.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
كمبريدج ــ تخيل أنك تُـبـتَـلى على نحو منتظم بفيروسات لا توجد لها لقاحات. هذه هي الحياة في ظل هياكل الحوكمة العالمية والقانون الدولي الحالية. إن مشاكلنا دولية، لكن حلولنا وطنية. وعالمنا مترابط، لكن مؤسساتنا منعزلة أو بلا أنياب. في ظل هذه الظروف، تصبح الأزمات حتمية، ومزمنة، وربما مستعصية على الحل.
إلى هنا، في الرابع والعشرين من فبراير/شباط، غزا الجيش الروسي أوكرانيا، فانتهك بذلك حرمة الحدود المفترضة وافتتح حقبة جديدة من الصراع لم نشهد لها مثيلا منذ الحرب الباردة، أو ربما حتى منذ الحرب العالمية الثانية. في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2019 أو نحو ذلك، ظهر إلى الوجود نوع جديد من فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية؛ وبدلا من إخطار العالَـم، أخفت السلطات الصينية في مستهل الأمر الأخبار عن هذه الفاشية الـمَـرَضية، مما أدى إلى اندلاع جائحة أفضت إلى توقف الاقتصاد العالمي. في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2008، كشف انهيار شركة الخدمات المالية ليمان براذرز عن خطر جهازي لم تنتبه إليه أي هيئة حكومية عالمية، الأمر الذي تسبب في إسقاط سلسلة عالمية من أحجار الدومينو وإحداث فوضى استغرق تنظيفها سنوات. وتطول القائمة.
يصف علماء الاجتماع مثل هذه المواقف بأنها "مشكلات العمل الجمعي": كل طرف له مصلحة بعيدة الأمد في التعاون لكن هذه المصلحة يتغلب عليها حافز التصرف بأنانية في الأمد القريب. مثل هذه المشكلات يجب أن تعالج بالاستعانة بالمؤسسات والأجهزة التنظيمية التي تغير حوافز الأفراد. تتراوح الحلول من الخصخصة (ترتيبات "الدفع مقابل كل استخدام")، إلى الدولة القوية القادرة على فرض المعايير بالقانون، إلى ظهور أخلاقيات مشتركة.
عندما نفكر في المشكلات العالمية "الـمُـعدية"، يتعين علينا أن نعيد النظر في فهمنا للعمل الجمعي. نحن نستمر في التركيز على الدولة القومية، حتى برغم أن الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، ومسببات الأمراض، والانتشار النووي، والبيانات، لا تحترم السيادة الإقليمية.
قد تكون النظرية القانونية قادرة على المساعدة. كما يقول الفيلسوف هربرت هارت، يمكننا التفكير في أي نظام قانوني على أنه اتحاد بين "قواعد أساسية" (قواعد) و"قواعد ثانوية" ("قواعد حول القواعد"). لابد وأن تكون أهمية القواعد الأساسية واضحة. إذ تحتاج أي مجموعة من الأفراد إلى بعض القواعد الأساسية التي تحكم تصرفاتها على الأقل لتتمكن من البقاء، هذا هو السبب الذي يجعل كل المجتمعات تقريبا تفرض قواعد صارمة ضد القتل.
ولكن كما كتب المحامي والباحث في حياة وعادات وتقاليد الشعوب إدوين سيدني هارتلاند في عام 1924، فإن المجتمع الذي يتبع قواعد أساسية حصرا يفرض بذلك قانونا بدائيا فقط، أو "الأعراف التي كانت تحكم المجتمعات في زمن ثقافات أدنى، الأعراف التي حكمت الجماعات المتوحشة من البشر. كانت شرعية هذه الأعراف تعتمد على قبولها والاعتراف بها، حيث لم تكن القوانين مكتوبة".
HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.
Subscribe Now
عندما انتقلنا من الماضي "البدائي" قبل القانوني" إلى الحاضر "الحديث"، اختارت كتلة حرجة من البشر فعليا قاعدة فوقية سمحت بتغيير السلوك إلزاميا لخدمة الصالح العام. اتفقنا على منح سلطة صنع القواعد للسلطة الحاكمة، التي قد تتخذ هيئة شخص، مثل إمبراطور، أو فكرة مجردة مثل البرلمان، مما يعطي القانون "القوة المعيارية العامة". بعد مرور قرن من الزمن منذ كان هارتلاند يدون أفكاره، نحن مدينون بالعديد من أكبر مشكلاتنا الجمعية لحقيقة مفادها أن نظامنا القانوني الدولي لا يزال إلى حد كبير "بدائيا". إذا استخدمنا مصطلحاته القديمة فيمكننا أن نقول إننا كمجتمع عالمي في وضع يذكرنا بـ"المتوحشين".
ما يدعو إلى التفاؤل أن قصة أصل الأنظمة القانونية الوطنية ربما تُـظـهِـر لنا كيف يمكننا إنشاء نظام فَـعّـال حقا للقانون الدولي. أفضل طريق للمضي قدما يمر عبر مملكة الإدراك الاجتماعي، ويتمثل في تحديث طريقة تفكيرنا في أنفسنا ومكاننا في مجتمع أوسع. ومثلما تحولنا ذات يوم من قبائل متجانسة مختلفة إلى دول قومية محددة بشكل تعسفي بعض الشيء، يتعين علينا الآن أن نعمل على دمج هوياتنا الوطنية في نظام سياسي عالمي متماسك أخلاقيا. قد يبدو هذا وكأنه تغير كبير؛ لكنه يشكل قفزة أصغر كثيرا من تلك التي حققها البشر عندما كرسنا فكرة "الدولة" في القانون وفي وعينا الجمعي.
على حد تعبير العالِـم السياسي بنديكت أندرسون في مناسبة شهيرة، فإن الأمم عبارة عن "مجتمعات متخيلة". وبعيدا عن كونها تكوينا عضويا أو طبيعيا مشبعا بسلامة الأرض على نحو غير قابل للتصرف، فإن الأمة تتألف من سرد يشمل كل شيء من الأيقونية الرمزية الانتقائية إلى الدساتير والخرائط. وهذه المكونات هي التي تدفع الروح الفردية إلى الاندماج في الهوية الجمعية التي بدورها تحفظ فكرة الأمة.
لكن هذه العملية لا تتوج بالضرورة بما نسميه الدولة القومية. فهناك فئات أخرى بارزة أخلاقيا ومعرفيا. توصل بحث أجرته العالِـمة الاجتماعية ساسكيا ساسين إلى أن سكان "المدن العالمية" تجمع بينهم قواسم مشتركة أكثر كثيرا من تلك التي تجمعهم ببقية مواطنيهم. فلا تستند الهويات الجمعية التي نؤكد عليها إلى حقائق تجريبية (مثل التاريخ المشترك أو اللغة المشتركة) بقدر ما تستند إلى البنية الاجتماعية. على سبيل المثال، تتألف دولة مثل الكاميرون من خليط يجمع بين 250 مجموعة من السكان الأصليين المتميزين ونحو 200 لغة. وقد شهدنا بالفعل، فضلا عن ذلك، تطور نظام قانوني عبر وطني فَـعّـال في الاتحاد الأوروبي.
في محاولة لتوجيه مزاج معسكر أنصار الخروج في الاستفتاء على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمام مؤتمر حزب المحافظين في ذلك العام، "إذا كنتم تظنون أنكم مواطنون للعالم فأنتم مواطنون للا مكان". لكن احتضان الأصولية الوطنية المعادية للمهاجرين تعادل إنكار حقيقة العالم الذي نعيش فيه.
إن فكرة "المواطن العالمي" ليست بنية نخبوية جديدة. إذ يرجع هذا المفهوم إلى القرن الرابع قبل الميلاد، عندما وصف الكلبيون اليونانيون (أنصار الفلسفة التشاؤمية) والرواقيون أنفسهم بأنهم "مواطنون كونيون" (citizens of the cosmos). (من هناك جاء المصطلح كوزموبوليتاني cosmopolitan). من المناسب إذن أن تنطلق واحدة من المحاولات الحالية لإنشاء نظام حكم سياسي دولي من اليونان، في هيئة منظمة يانيس فاروفاكيس "التقدمية الدولية".
علاوة على ذلك، من البديهي ببساطة أن تتجاوز التزاماتنا تجاه الآخرين روابط القرابة أو المواطنة القومية. على حد تعبير الفيلسوف كوامي أنتوني أييا، فإن "حدود الأمة لا أهمية لها من الناحية الأخلاقية ــ فحوادث التاريخ ليس لها سلطة شرعية على ضمائرنا". ولأن مشكلاتنا الأكثر إلحاحا لا يمكن حلها إلا على نطاق كوكبي، فإن ما نحتاج إليه هو ثورة أخلاقية تحملنا على تعهد بنية مؤسسية دولية فيدرالية جديدة، حيث تتحد "القواعد الأساسية" للقانون الوطني مع "القواعد الثانوية" للقانون الدولي من أجل خلق نظام دولي جديد.
الحق أن الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم العالمي المعطل الحالي أرسيت أثناء أيام الحربين العالميتين المظلمة. ويجب أن تكون الأخطار التي نواجهها الآن كافية لتحفيزنا على إعادة تصور موقع مجتمعاتنا في العالم وخلق تراصف جديد للمصالح الفردية والجماعية. بوسعنا أن نرى أحد الأمثلة المبكرة في الدعم الشعبي العريض لاتفاقية باريس للمناخ التي أبرمت عام 2015، أو الحشد الدولي الذي يقاتل للدفاع عن أوكرانيا بدعوة من الرئيس فولوديمير زيلينسكي. لكي يتسنى لنا حل مشكلات العمل الجمعي الأخرى التي تواجهنا، سواء كانت تغير المناخ أو تهديد الحرب النووية، يتعين علينا أن نسرد قصة مختلفة حول من نكون وأين تكمن سيادتنا.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali