bremmer39_Steve PfostNewsday RM via Getty Images_USwindfarm Steve Pfost/Newsday RM via Getty Images

ترمب لن يقتل تحول الطاقة العالمي

نيويورك ــ أثارت عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مخاوف إزاء احتمال الدفع بتحول الطاقة العالمي في الاتجاه المعاكس. فقد تعهد الرئيس الأميركي بإلغاء الضوابط التنظيمية البيئية، رافعا شعار "احفر، يا عزيزي، احفر"، وإنهاء "الاحتيال الأخضر الجديد". مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض ــ كان الشهر الماضي الأكثر حرارة بين أشهر يناير/كانون الثاني في التاريخ الـمُـسَـجَّـل على الإطلاق، وكان عام 2024 أول عام يتجاوز فيه متوسط درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية ــ يخشى كثيرون أن نكون على وشك أن نشهد تباطؤا عالميا في التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري.

لكن ترمب لم يستطع القضاء على التحول الأخضر أثناء فترة ولايته الأولى، ولن يتمكن من القضاء عليه هذه المرة أيضا. والسبب بسيط: فبفضل الاختراقات التكنولوجية، ومنحنيات التعلم الحادة، والتكاليف المتزايدة الانخفاض، أصبحت الطاقة النظيفة أرخص من الوقود الأحفوري في أغلب الأماكن. علاوة على ذلك، في عام 2017 كانت الثورة بدأت للتو، بينما بَـلَـغَـت الآن سرعة الإفلات. ولا تحرك زخمها السياسة أو التدخل من جانب الحكومة، بل الأسواق. وأوضح الأمثلة على ذلك أن ولاية تكساس (ذات الميول الجمهورية) تتصدر الولايات المتحدة في نشر مصادر الطاقة المتجددة. لن تتمكن السياسة بعد الآن من إعاقة تحول الطاقة الأميركي.

هذا لا يعني أن السياسة لن تبطئ عملية التحول في الولايات المتحدة. إذ تتخذ إدارة ترمب بالفعل خطوات لتخفيف الضوابط التنظيمية البيئية والمناخية، وتشجيع إنتاج النفط والغاز المحليين، ودعم محطات الطاقة التي تعمل بالغاز، وإنهاء الحوافز المقدمة لتشجيع تبني الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية. وتقضي الأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس في اليوم الأول من ولايته بتوسيع الأراضي الفيدرالية المتاحة لاستكشاف النفط والغاز، وإلغاء تعليق الرئيس السابق جو بايدن للموافقات على محطات الغاز الطبيعي المسال الجديدة، وإيقاف مشاريع مزارع الرياح الجديدة على الأراضي الفيدرالية والمياه الساحلية. وبمساعدة من الأغلبية الجمهورية في الكونجرس، سيسعى ترمب إلى إلغاء ما يقرب من نصف نفقات قانون خفض التضخم، بما في ذلك بنوده الداعمة للمركبات الكهربائية ومزارع الرياح البحرية، فضلا عن الإعفاءات الضريبية للاستثمار والإنتاج بموجب قانون خفض التضخم.

بيد أن كل هذا لن يكون كافيا لإيقاف الحركة إلى الأمام في عملية انتقال الطاقة في الولايات المتحدة. فعلى الرغم من ادعاءات ترمب حول "حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة"، كانت الولايات المتحدة مُـصَدِّرة صافية للطاقة منذ عام 2019 وهي تنتج بالفعل كميات من النفط أكثر من أي بلد آخر في التاريخ. ولكن مع انخفاض الأسعار وارتفاع إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة، سيواجه إنتاج الوقود الأحفوري صعوبة شديدة في الارتفاع إلى مستويات أعلى في الأمد القريب، بصرف النظر عما يفعله ترمب.

وعلى هذا فسوف يستمر نشر الطاقة النظيفة، مدفوعا بزيادة الطلب على الطاقة وانخفاض التكاليف ــ وخاصة تكاليف الطاقة الشمسية. وسوف تستمر المرافق الكهربائية الأميركية في الاستثمار بقوة في مصادر الطاقة المتجددة لمواكبة ارتفاع استخدام الطاقة وضمان كفاية الشبكة، حتى مع توسع محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالغاز أيضا. لن تتخلى شركات صناعة السيارات الأميركية عن خططها الطويلة الأجل في إنتاج المركبات الكهربائية لمجرد أن إدارة ترمب أنهت إعانات الدعم وألغت تمويل بنية الشحن الكهربائي الأساسية. فضلا عن ذلك، ستواصل الولايات التي يسيطر عليها الديمقراطيون اتباع سياسات طموحة تحدد معايير إزالة الكربون كما فعلت خلال فترة ولاية ترمب الأولى.

لعل الأمر الأكثر أهمية أن أجزاء كبيرة من قانون خفض التضخم ستظل سارية بسبب دعمها السياسي من قبل الدوائر الانتخابية الجمهورية، التي استفادت على نحو غير متناسب من الاستثمارات الجديدة وخلق فرص العمل. وسوف تظل تكنولوجيات الجيل التالي من الطاقة النظيفة ــ الطاقة النووية، والطاقة الحرارية الأرضية، وأساليب احتجاز الكربون وتخزينه ــ تتلقي الدعم.

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
PS_Sales_Winter_1333x1000 AI

Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription

At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.

Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.

Subscribe Now

أما عن تحول الطاقة في الخارج، فإن الآثار المترتبة على تراجع أميركا عن قيادة العمل المناخي العالمي ستكون كبيرة، لكنها لن تكون قاتلة. فسوف يُـفضي قرار ترمب بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ (مرة أخرى) وحجب التمويل عن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى تقليص تدفقات تمويل العمل المناخي إلى الاقتصادات الناشئة، وهذا من شأنه أن يقلل من حماسها لتسريع العمل المناخي ويشجع بعض البلدان (مثل الأرجنتين وإندونيسيا) على السير على خطى ترمب.

ولكن كما لا يمكن إيقاف التحول في الولايات المتحدة، فمن غير الممكن أيضا إيقاف التحول العالمي. ستظل بلدان صناعية أخرى ملتزمة على نطاق واسع باتفاقية باريس للمناخ وخاضعة لذات قوى السوق التي تدفع التطورات في الولايات المتحدة. الواقع أن أوروبا تنظر إلى تحول الطاقة كوسيلة لتقليل اعتمادها على الواردات وتحسين أمن الطاقة. وترى الهند، مصدر الانبعاثات الغازية الأسرع نموا على مستوى العالم، أن إزالة الكربون فرصة اقتصادية وخطوة ضرورية للحد من بعض تلوث الهواء الأسوأ في العالم. وتتوق معظم الأسواق الناشئة الأخرى إلى التعجيل بنشر الطاقة المتجددة لأسباب اقتصادية بحتة.

الأمر الأكثر أهمية هو أن الصين ــ أكبر مصدر للانبعاثات العالمية ــ من المنتظر أن تصل إلى ذروة الانبعاثات قبل خمس سنوات من عام 2030 الذي أعلنته في السابق كهدف لها. تهيمن شركات تصنيع الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية والبطاريات الصينية بالفعل على سلاسل التوريد العالمية ولن تتخلى عن طموحات التوسع لمجرد حدوث تغييرات في الطلب الأميركي أو الوصول إلى الأسواق. بل إن هذه الشركات ترى في سياسات إدارة ترمب فرصة لاكتساب حصة سوقية عالمية إضافية، وتسريع تبني هذه التكنولوجيات وزيادة الأسعار انخفاضا. وبينما تتراجع الولايات المتحدة بدرجة أكبر عن الصين في مجال الطاقة النظيفة، سيعمل الانخفاض المستمر في تكاليف الطاقة المتجددة على تشجيع مزيد من الأسواق الناشئة على اختيار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المحلية بدلا من الوقود الأحفوري المستورد المتقلب.

لقد أصبحت القوى الاقتصادية والتكنولوجية التي تقود ثورة الطاقة النظيفة ببساطة أقوى من أن يوقفها أي بلد أو زعيم سياسي بمفرده. سوف يواصل تحول الطاقة العالمي تقدمه إلى الأمام، حتى لو كانت بعض مطبات أخرى تنتظره على الطريق.

ترجمة: إبراهيم محمد علي        Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/Jpm723Aar