a5d4d00346f86f380efa741a_dr2042c.jpg

صندوق النقد الدولي الجديد

واشنطن ـ حين يلتقي الوزراء في اجتماع الربيع لصندوق النقد الدولي في هذا الشهر فلا شك أنهم سوف يجدون هذه المؤسسة وقد استعادت الثقة في ذاتها. لقد منحت قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في مدينة لندن مؤخراً صندوق النقد الدولي تفويضاً معززاً، بينما ضاعفت موارده إلى ثلاثة أمثالها. وسوف يكون المزيد من التمويل بشروط ميسرة متاحاً للبلدان ذات الدخل المنخفض، كما سيزيد المعروض من السيولة النقدية الدولية بعد أن يوزع الصندوق 250 مليار دولار أميركي في هيئة حقوق السحب الخاصة. وكل هذا يشكل دفعة قوية لصندوق النقد الدولي ويعطي الأمل للبلدان الناشئة والنامية التي تضررت بشدة من جراء أزمة نشأت في مكان آخر من العالم.

لقد أصبح صندوق النقد الدولي في وضع يسمح له بمساعدة أعضائه على التغلب على الفجوات التمويلية الناجمة عن الأزمة. فأثناء فترة الإعداد لقمة مجموعة العشرين عِمل صندوق النقد الدولي على زيادة التسهيلات الائتمانية وتبسيط الشروط الأساسية. وفي نقطة تحول عن الممارسات السابقة، أنشأ الصندوق خطاً ائتمانياً جديداً غير مشروط للبلدان ذات الأداء الطيب، وسوف تكون المكسيك وبولندا من بين أوائل مستخدمي هذا الخط، وسوف تتبعهما بلدان أخرى. إن سياسات الإقراض الجديدة التي تتمتع بقدر أعظم من المرونة تعكس صورة جديدة لصندوق النقد الدولي. والآن أصبحت الوصمة التي ألصِقَت بتمويل صندوق النقد الدولي شيئاً من الماضي.

وبعد تأمين الدور الذي يستطيع صندوق النقد الدولي أن يلعبه في هذه الأزمة، فيتعين عليه الآن أن يعمل على تعزيز وضعه باعتباره راعياً لنظام مالي دولي مفتوح. لقد أنشئ صندوق النقد الدولي لمنع حدوث أزمات كهذه التي يعيشها العالم الآن، ولقد فشل في هذه المهمة. كانت هناك تحذيرات بلا شك، ولكن صناع القرار السياسي، وخاصة في البلدان المتقدمة، لم يستجيبوا لها.

يتعين على صندوق النقد الدولي "الجديد" أن يكون أكثر مقدرة على التواصل مع أعضائه، والموازنة بين مصالح البلدان المتقدمة والبلدان الناشئة والنامية بعيداً عن أي شكل من أشكال التحيز، وتكييف سياساته على نحو أكثر توافقاً مع احتياجات اللحظة. والآن بعد أن حصل صندوق النقد الدولي على فرصة ثانية فلابد وأن يعمل على استعادة دوره المحوري في النظام المالي الدولي. ولكي تتحقق هذه الغاية فينبغي على الصندوق أن يركز على ثلاث قضايا: تحسين سبل مراقبة الاستقرار المالي، وتعزيز التنسيق الدولي، وتحديث عملية اتخاذ القرار.

يتعين على صندوق النقد الدولي أن يكون أعلى صوتاً في التعامل مع قضايا الاستقرار المالي العالمي، وينبغي عليه أن يتأكد من عدم وجود ثغرات في الرقابة على المؤسسات المالية. ويستطيع الصندوق أن يساعد في صياغة نظام إشراف عالمي أكثر قوة، وهو النظام الذي لابد وأن يتأسس من أجل الحفاظ على الفوائد التي تقدمها الأسواق المالية العالمية. وينبغي عليه أيضاً أن يساعد في وضع رؤية لما ينبغي أن تكون عليه الساحة المالية العالمية في المستقبل.

ولتحقيق هذه الغاية فلابد وأن يشتمل نظام إشراف صندوق النقد الدولي على تحديث الأنظمة الإشرافية على نحو منتظم في البلدان التي تشكل أهمية كبرى بالنسبة للنظام المالي ككل. ومن الأهمية بمكان أن تكون التحذيرات المبكرة المفوضة من قِبَل مجموعة العشرين محددة وواضحة، ويتعين على صندوق النقد الدولي أن يراقب مدى التزام صناع القرار السياسي بمشورة الصندوق.

PS_Sales_BacktoSchool_1333x1000_Promo

Don’t go back to school without Project Syndicate! For a limited time, we’re offering PS Digital subscriptions for just $50.

Access every new PS commentary, our suite of subscriber-exclusive content, and the full PS archive.

Subscribe Now

يتعين على صندوق النقد الدولي الجديد أن يلقي نظرة جديدة على عملية تنسيق السياسات الدولية. والحقيقة أن المطالبة بنظام نقدي مختلف، على النحو الذي دعت إليه الصين، من شأنه أن يمهد الساحة لجهود متجددة لتجنب اختلال التوازن الدولي والذي كان السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة.

أولاً، لابد من معالجة العجز في الادخار في الولايات المتحدة على نحو قابل للدوام. وثانياً، سوف يكون لزاماً على الصين أن تجعل عملتها قابلة للتحويل. ثالثاً، سوف يتعزز موقف اليورو بمرور الوقت مع التحاق المزيد من البلدان بعضوية منطقة اليورو.

ومع توفيق المزيد من العملات الرئيسية لأوضاعها فإن منظور النظام النقدي التعددي الحقيقي سوف يصبح في محله، مع ازدياد أهمية الدور الذي ستلعبه حقوق السحب الخاصة. وهذا من شأنه أن يقلل من شعور البلدان الناشئة اقتصادياً بالحاجة إلى تأمين نفسها ضد عدم الاستقرار المالي بتكديس احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية.

وأخيراً، يحتاج صندوق النقد الدولي إلى هياكل حاكمة قادرة على عكس الحقائق العالمية الجديدة على نحو أفضل. والحقيقة أن التصور الذي كان سائداً بأن الدول المتقدمة تدير أعمالها في صندوق النقد الدولي ولكنها لا تلتزم بمشورته كان سبباً في تقويض سلطة الصندوق.

لقد شهدت قمة مجموعة العشرين عودة الولايات المتحدة إلى التعددية. وهذا القبول للمسؤولية الجماعية لابد وأن يكون مصحوباً بالتخلي عن سلطة النقض التي تتمتع بها الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي، وذلك من خلال خفض أغلبيات التصويت المطلوبة، فضلاً عن التخلي عن الحق المقتصر على أوروبا في تعيين المدير الإداري للصندوق. إن نظام الدوائر الانتخابية، والذي يُـعَد من بين مواطن القوة التي يتمتع بها الهيكل الحاكم الحالي لصندوق النقد الدولي، لابد وأن يطبق أيضاً في مجموعة العشرين من أجل ضمان شمولية النظام.

إن النمو السريع الذي سجلته بلدان مثل الصين والهند وغيرهما من البلدان الناشئة لابد وأن يكفل لها المزيد من النفوذ، وهو ما سيتم تنفيذه من خلال زيادة الحصص في عام 2011. سوف تشهد البلدان المتقدمة، بما في ذلك الدول الأوروبية، تراجعاً نسبياً في سلطة التصويت. والحقيقة أن اكتساب البلدان الناشئة اقتصادياً المزيد من الثقل في عملية التصويت يعني ضمناً اضطلاعها بالمزيد من المسؤوليات الدولية، وكذلك المسؤوليات المالية.

تتولى الدول الأوروبية الآن تمويل 42% من قروض صندوق النقد الدولي و62% من القروض التي يقدمها البنك الدولي بشروط ميسرة. ومن الأهمية بمكان أن تشارك البلدان الناشئة ذات الاحتياطيات الضخمة في تولي هذه المهمة. وبهذا سوف يتسنى لهذه البلدان استخدام احتياطياتها من العملات الأجنبية بشكل أفضل من خلال مساعدة صندوق النقد الدولي في الحفاظ على نظام مالي عالمي مفتوح ومستقر، وبالتالي منع تكرار حدوث الأزمات كهذه الأزمة التي يعيشها العالم الآن.

https://prosyn.org/RQh3u3Dar