سياتل ــ عَقَد المتنافسون على الترشح لمنصب الرئاسة في الحزب الديمقراطي الأميركي أولى مناظراتهم، ويبدو أن السؤال الرئيسي الذي يتردد صداه في الدوائر السياسية والإعلامية هو إما من سيكون صلبا بالقدر الكافي لمواجهة الرئيس دونالد ترمب، أو من لديه من الأفكار ما يستحق أن يحتل العناوين الرئيسية.
ولكن هناك طريقة أفضل للتفكير في المرشح الديمقراطي المناسب. ففي حين يبحث الديمقراطيون عن مُـخَلِّص ليبرالي، فإنهم يعرضون أنفسهم لخطر ارتكاب خطأ جوهري. إن حل مشاكل الحزب لا يكمن في تقديم شخصية تحدث قدرا بالغا من الاضطراب، بل في تمكين القادة المحليين المعتدلين في مختلف أنحاء أميركا، وليس في الولايات الساحلية فقط.
يتعين على الديمقراطيين أن يختاروا مرشحا لا يفوز بالبيت الأبيض فحسب، بل وبذات القدر من الأهمية، يعطي مرشحي مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتأرجحة السياسات العريضة بالقدر الكافي لتمكينهم من خوض الانتخابات والفوز بها، وبالتالي تمكين التغيير في قيادة مجلس الشيوخ. كما يجب أن يختار الديمقراطيون مرشحا يدرك أن الناخبين في العديد من الولايات التي ستقرر نتيجة الانتخابات فعليا أكثر تحفظا من الناحية المالية وأقل اهتماما بالسياسات المسببة للانقسامات إلى حد كبير.
دعك من الساحل الغربي والشمال الشرقي: ذلك أن الولايات في هاتين المنطقتين ستقف إلى حد كبير خلف أي مرشح يختاره الديمقراطيون. لكن مكمن القلق الحقيقي بين القادة المحليين في ولايات مثل أريزونا، وفلوريدا، ووسكنسون، وميشيجان، وبنسلفانيا، وأوهايو ــ الولايات التي ستقرر نتيجة الانتخابات ــ هو أن أميركا لا تستطيع أن تتحمل ترف المقترحات السياسية الكبرى في مجالات مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والبيئة، والتي أصبحت بمثابة اختبار لمصداقية العديد من المرشحين الديمقراطيين.
الحق أن هذه المخاوف المالية لها ما يبررها. ذلك أن الولايات المتحدة تدير عجزا هائلا، والذي تفاقم بفِعل قانون الضرائب الذي أقرته إدارة ترمب مؤخرا. تاريخيا، كانت الولايات المتحدة قادرة على تحمل قدر من الديون أكبر مما قد تتحمله أي دولة أخرى لأنها تتمتع بالميزة الفريدة المتمثلة في طباعة العملة الاحتياطية العالمية. وقد أدرك القادة السياسيون الرصينون على جانبي الطيف الحزبي لسنوات عديدة أن الولايات المتحدة تحتاج إلى معالجة العجز لتجنب تعريض مكانة الدولار الرفيعة للخطر ربما عند نقطة ما بعد عقود من الآن. ولكن في ظل ترمب، مع حروبه التجارية الشاذة الأحادية الجانب، يكثف منافسو أميركا ــ بل وحتى حلفاؤها ــ الجهود الآن لإسقاط الدولار من عليائه وإنشاء عملة احتياطية بديلة.
الواقع أن قادة الولايات المعتدلين متوافقون إلى حد كبير مع السلامة المالية، لأنهم على عكس الحكومة الفيدرالية لا يستطيعون طباعة العملة لتمويل الديون. وسوف يواجه هؤلاء القادة وقتا عصيبا في محاولة دعم البرامج التي تنطوي على زيادة سريعة في نمو العجز، مثل الصفقة الجديدة الخضراء أو خطة الرعاية الصحية القائمة على الدافع الواحد، أو الإعفاء من كل الديون الطلابية. وليس من الواضح في أفضل تقدير كيف قد تتمكن الولايات المتحدة من تحمل تكاليف مثل هذه البرامج، ونتيجة لهذا يعتبرها الناخبون إلى حد كبير تهديدا لهم.
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
ربما تبدو الأفكار الجريئة التي تبرز في الصدارة الآن بين بعض المرشحين الديمقراطيين جذابة، وخاصة بالنسبة لحزب يبحث عن طرق لحفز الناخبين الشباب، وهي تحتوي بكل تأكيد على عناصر تعالج قضايا مهمة تواجه الولايات المتحدة. لكن الأفكار المتصلة بالسياسات ليست مجرد مقتطفات من خطب الحملات الانتخابية. بل يجب وزن كل من هذه الأفكار من حيث تكلفتها، وما الذي يجب التضحية به لتحمل هذه التكلفة، وتأثيرها الصافي على العجز، ومن الأهمية بمكان تحديد ما إذا كانت لتعمل على تمكين أو تنفير قادة الولايات المتأرجحة.
خلال الجيلين الأخيرين، أصبحت الرئاسة الأميركية أكثر قوة من أي وقت مضى، حيث سيطرت على النظام السياسي على نحو لم يكن قط مقصودا في الدستور. ولكن تاريخيا، كان الرؤساء رغم ذلك مقيدين بفعل مزيج يتألف من احترام سيادة القانون، والبديل الافتراضي للسلوك الصادق الأخلاقي، والرغبة والقدرة على التصرف بشكل استراتيجي لتعزيز قدرة الولايات المتحدة في الأمد البعيد، وعلى قدر كبير من الأهمية، الواجب الدستوري الذي يملي على مجلس الشيوخ العمل كجهاز مستقل يحد من سلطة الرئيس ونفوذه.
اليوم، اختفت كل هذه القيود الأربعة. فترمب ليس له مصلحة في الدستور، أو الصدق، أو وضع الولايات المتحدة على أفضل مسار للأمد البعيد. تحت قيادة ميتش ماكنويل، تخلى مجلس الشيوخ عن رؤية مؤسسي الولايات المتحدة بأن يكون، على حد تعبير جيمس ماديسون، "سورا ضروريا لحماية الناس من حكامهم ومن الانطباعات العابرة التي ربما ينقادون إليها أنفسهم".
في ظل هذه الظروف، يجب على الديمقراطيين أن يستعينوا بالناخبين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة لإيجاد طريقهم إلى حكومة فاعلة تعمل بما يتفق مع الدستور. ويبدأ هذا بإدراك حقيقة مفادها أن الفوز في انتخابات 2020 يستلزم استعادة البيت الأبيض بمرشح يساعد الحزب في استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ أيضا. وآنذاك فقط يصبح بوسع الولايات المتحدة أن تبدأ في إصلاح الأضرار التي أحدثتها إدارة ترمب، واستعادة الضوابط والتوازنات التي تعتمد عليها الحكومة الأميركية، وتصحيح مسار البلاد المالي. والحق أن ما بات على المحك الآن قد لا يقل أهمية عن مصير التجربة الأميركية.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
Iran’s mass ballistic missile and drone attack on Israel last week raised anew the specter of a widening Middle East war that draws in Iran and its proxies, as well as Western countries like the United States. The urgent need to defuse tensions – starting by ending Israel’s war in Gaza and pursuing a lasting political solution to the Israeli-Palestinian conflict – is obvious, but can it be done?
The most successful development stories almost always involve major shifts in the sources of economic growth, which in turn allow economies to reinvent themselves out of necessity or by design. In China, the interplay of mounting external pressures, lagging household consumption, and falling productivity will increasingly shape China’s policy choices in the years ahead.
explains why the Chinese authorities should switch to a consumption- and productivity-led growth model.
Designing a progressive anti-violence strategy that delivers the safety for which a huge share of Latin Americans crave is perhaps the most difficult challenge facing many of the region’s governments. But it is also the most important.
urge the region’s progressives to start treating security as an essential component of social protection.
سياتل ــ عَقَد المتنافسون على الترشح لمنصب الرئاسة في الحزب الديمقراطي الأميركي أولى مناظراتهم، ويبدو أن السؤال الرئيسي الذي يتردد صداه في الدوائر السياسية والإعلامية هو إما من سيكون صلبا بالقدر الكافي لمواجهة الرئيس دونالد ترمب، أو من لديه من الأفكار ما يستحق أن يحتل العناوين الرئيسية.
ولكن هناك طريقة أفضل للتفكير في المرشح الديمقراطي المناسب. ففي حين يبحث الديمقراطيون عن مُـخَلِّص ليبرالي، فإنهم يعرضون أنفسهم لخطر ارتكاب خطأ جوهري. إن حل مشاكل الحزب لا يكمن في تقديم شخصية تحدث قدرا بالغا من الاضطراب، بل في تمكين القادة المحليين المعتدلين في مختلف أنحاء أميركا، وليس في الولايات الساحلية فقط.
يتعين على الديمقراطيين أن يختاروا مرشحا لا يفوز بالبيت الأبيض فحسب، بل وبذات القدر من الأهمية، يعطي مرشحي مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتأرجحة السياسات العريضة بالقدر الكافي لتمكينهم من خوض الانتخابات والفوز بها، وبالتالي تمكين التغيير في قيادة مجلس الشيوخ. كما يجب أن يختار الديمقراطيون مرشحا يدرك أن الناخبين في العديد من الولايات التي ستقرر نتيجة الانتخابات فعليا أكثر تحفظا من الناحية المالية وأقل اهتماما بالسياسات المسببة للانقسامات إلى حد كبير.
دعك من الساحل الغربي والشمال الشرقي: ذلك أن الولايات في هاتين المنطقتين ستقف إلى حد كبير خلف أي مرشح يختاره الديمقراطيون. لكن مكمن القلق الحقيقي بين القادة المحليين في ولايات مثل أريزونا، وفلوريدا، ووسكنسون، وميشيجان، وبنسلفانيا، وأوهايو ــ الولايات التي ستقرر نتيجة الانتخابات ــ هو أن أميركا لا تستطيع أن تتحمل ترف المقترحات السياسية الكبرى في مجالات مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والبيئة، والتي أصبحت بمثابة اختبار لمصداقية العديد من المرشحين الديمقراطيين.
الحق أن هذه المخاوف المالية لها ما يبررها. ذلك أن الولايات المتحدة تدير عجزا هائلا، والذي تفاقم بفِعل قانون الضرائب الذي أقرته إدارة ترمب مؤخرا. تاريخيا، كانت الولايات المتحدة قادرة على تحمل قدر من الديون أكبر مما قد تتحمله أي دولة أخرى لأنها تتمتع بالميزة الفريدة المتمثلة في طباعة العملة الاحتياطية العالمية. وقد أدرك القادة السياسيون الرصينون على جانبي الطيف الحزبي لسنوات عديدة أن الولايات المتحدة تحتاج إلى معالجة العجز لتجنب تعريض مكانة الدولار الرفيعة للخطر ربما عند نقطة ما بعد عقود من الآن. ولكن في ظل ترمب، مع حروبه التجارية الشاذة الأحادية الجانب، يكثف منافسو أميركا ــ بل وحتى حلفاؤها ــ الجهود الآن لإسقاط الدولار من عليائه وإنشاء عملة احتياطية بديلة.
الواقع أن قادة الولايات المعتدلين متوافقون إلى حد كبير مع السلامة المالية، لأنهم على عكس الحكومة الفيدرالية لا يستطيعون طباعة العملة لتمويل الديون. وسوف يواجه هؤلاء القادة وقتا عصيبا في محاولة دعم البرامج التي تنطوي على زيادة سريعة في نمو العجز، مثل الصفقة الجديدة الخضراء أو خطة الرعاية الصحية القائمة على الدافع الواحد، أو الإعفاء من كل الديون الطلابية. وليس من الواضح في أفضل تقدير كيف قد تتمكن الولايات المتحدة من تحمل تكاليف مثل هذه البرامج، ونتيجة لهذا يعتبرها الناخبون إلى حد كبير تهديدا لهم.
Subscribe to PS Digital
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
ربما تبدو الأفكار الجريئة التي تبرز في الصدارة الآن بين بعض المرشحين الديمقراطيين جذابة، وخاصة بالنسبة لحزب يبحث عن طرق لحفز الناخبين الشباب، وهي تحتوي بكل تأكيد على عناصر تعالج قضايا مهمة تواجه الولايات المتحدة. لكن الأفكار المتصلة بالسياسات ليست مجرد مقتطفات من خطب الحملات الانتخابية. بل يجب وزن كل من هذه الأفكار من حيث تكلفتها، وما الذي يجب التضحية به لتحمل هذه التكلفة، وتأثيرها الصافي على العجز، ومن الأهمية بمكان تحديد ما إذا كانت لتعمل على تمكين أو تنفير قادة الولايات المتأرجحة.
خلال الجيلين الأخيرين، أصبحت الرئاسة الأميركية أكثر قوة من أي وقت مضى، حيث سيطرت على النظام السياسي على نحو لم يكن قط مقصودا في الدستور. ولكن تاريخيا، كان الرؤساء رغم ذلك مقيدين بفعل مزيج يتألف من احترام سيادة القانون، والبديل الافتراضي للسلوك الصادق الأخلاقي، والرغبة والقدرة على التصرف بشكل استراتيجي لتعزيز قدرة الولايات المتحدة في الأمد البعيد، وعلى قدر كبير من الأهمية، الواجب الدستوري الذي يملي على مجلس الشيوخ العمل كجهاز مستقل يحد من سلطة الرئيس ونفوذه.
اليوم، اختفت كل هذه القيود الأربعة. فترمب ليس له مصلحة في الدستور، أو الصدق، أو وضع الولايات المتحدة على أفضل مسار للأمد البعيد. تحت قيادة ميتش ماكنويل، تخلى مجلس الشيوخ عن رؤية مؤسسي الولايات المتحدة بأن يكون، على حد تعبير جيمس ماديسون، "سورا ضروريا لحماية الناس من حكامهم ومن الانطباعات العابرة التي ربما ينقادون إليها أنفسهم".
في ظل هذه الظروف، يجب على الديمقراطيين أن يستعينوا بالناخبين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة لإيجاد طريقهم إلى حكومة فاعلة تعمل بما يتفق مع الدستور. ويبدأ هذا بإدراك حقيقة مفادها أن الفوز في انتخابات 2020 يستلزم استعادة البيت الأبيض بمرشح يساعد الحزب في استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ أيضا. وآنذاك فقط يصبح بوسع الولايات المتحدة أن تبدأ في إصلاح الأضرار التي أحدثتها إدارة ترمب، واستعادة الضوابط والتوازنات التي تعتمد عليها الحكومة الأميركية، وتصحيح مسار البلاد المالي. والحق أن ما بات على المحك الآن قد لا يقل أهمية عن مصير التجربة الأميركية.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel