خلف الخزانة النووية لدكتور عبد القدير خان

تتركز معظم المفاجآت الجديدة فيما يتعلق بفضيحة باكستان النووية على تزويد إيران وكوريا الشمالية وليبيا سراً بتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم بواسطة صانع القنابل الشهير دكتور عبد القدير خان. (نال د. خان شهادة الدكتوراه في علم المعادن وليس في الفيزياء النووية أو الهندسة النووية، ومع هذا يشير إليه الصحفيون عادة بـ"العالم النووي"). ولكن المستندات التي سلمتها ليبيا للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن ثم للولايات المتحدة تؤكد أن باكستان قد أمدت تلك الدول بما هو أكثر من مجرد معدات لصناعة وقود القنابل. وهناك من يزعم أن د. خان قد زود تلك الدول أيضاً بتصميم تفصيلي لسلاح نووي يقول خبراء الولايات المتحدة إنه صنع في الصين في عام 1964 ثم انتقل إلى باكستان منذ عقدين من الزمان.

يثير هذا الكشف أسئلة جديدة مثيرة للاهتمام، لأن د. خان كان بعيداً عن العمل الفعلي المرتبط بتصنيع الأسلحة. فالمؤسسة النووية في باكستان تنقسم إلى قسمين أساسيين. أحد هذين القسمين، والذي تولى د. خان رئاسته ذات يوم، مسئول عن إنتاج غاز اليورانيوم المستخدم في القنابل والذي يوفر الوقود اللازم لإحداث التفجير النووي حين يتم تحويله إلى معدن. أما القسم الآخر والذي يخضع لوكالة الطاقة النووية ومجمع التنمية الوطنية بباكستان فهو يتحمل نطاقاً أكثر اتساعاً من المسئوليات ـ تحويل غاز اليورانيوم إلى معدن وتصميم الأسلحة وتصنيعها وإجراء الاختبارات النووية.

لقد ورد ذكر د. خان بالكاد على لسان دكتور سامار مباراكماند رئيس مجمع التنمية الوطنية بباكستان في خطبه التي ألقاها بعد إجراء الاختبارات النووية الناجحة في عام 1998. وهكذا فإن السر الغامض هنا هو: كيف تمكن د. خان ـ الذي لم يكن بحاجة إلى الاحتفاظ بمعلومات عن تصميم الأسلحة ـ من تسليم مستندات تفصيلية خاصة بتصميم القنابل إلى ليبيا؟

إن اعتراف د. خان الذي بثته شاشات التلفاز وقبوله منفرداً للمسئولية عن أنشطة الانتشار النووي لم يقلل من الشك في أن ما خفي كان أعظم، وفي اشتراك المؤسسة العسكرية الباكستانية في ذلك الانتشار. يقول زعيم الدولة الجنرال برويز مشرف إن تصدير د. خان لتكنولوجيا الطرد المركزي لم يكن معلوماً للحكومات المتعاقبة في باكستان. ولكن لأكثر من عقد من الزمان كان د. خان يعلن بشكل مكشوف عن بضاعته النووية.

عام بعد عام ـ بما في ذلك عام 2003 حين بلغ الجدال حول الانتشار النووي أشده ـ كانت إسلام آباد تتزين برايات ملونة تعلن عن ورش عمل تتناول "الاهتزاز في المعدات ذات الأجزاء الدوارة فائقة السرعة" و"المواد عالية التطور" تحت رعاية مختبرات د. عبد القدير خان البحثية (والمعروفة أيضاً بمختبرات كاهوتا البحثية). وكان بتلك المختبرات مرافق واضحة ومباشرة للتعامل مع تكنولوجيا الطرد المركزي اللازمة بشكل أساسي لإنتاج اليورانيوم المستخدم في الأسلحة.

في أعوام سابقة نشر د. خان والمتعاونون معه عدداً من الأوراق البحثية التي تتناول بالتفصيل قضايا خطيرة مثل اتزان معدات الطرد المركزي وكراسي التحميل المغناطيسية. ولقد تناولت تلك الأوراق البحثية السبل الفنية لتمكين الأجزاء الدوارة في معدات الطرد المركزي من الدوران بسرعة تقترب من سرعة الصوت دون أن تتحطم ـ وهو ما يلزم بشكل أساسي لتصنيع اليورانيوم المستخدم في القنابل. وبهذا، فما كان لأنشطة د. خان لنشر المعلومات النووية أن تصبح أكثر وضوحاً. ولكن لتأكيد الأمر بما لا يدع مجالاً للشك فقد قامت مختبرات كاهوتا بإصدار كراسات بحث موجزة مصقولة موجهة إلى "منظمات سرية".

Secure your copy of PS Quarterly: Age of Extremes
PS_Quarterly_Q2-24_1333x1000_No-Text

Secure your copy of PS Quarterly: Age of Extremes

The newest issue of our magazine, PS Quarterly: Age of Extremes, is here. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Premium now.

Subscribe Now

ولكي تحمي المؤسسة العسكرية الباكستانية اليائسة نفسها، وتحت تأثير الخوف من وصمها بتهمة نشر الأسلحة النووية وحرمانها في النهاية من أسلحتها النووية، فقد اختارت أن تضحي بدكتور خان. ومع ذلك فليس من المحتمل أن يؤدي اعترافه على الملأ واعتذاره عما فعل إلى وضع نهاية لهذه المسألة.

من المؤكد أن الولايات المتحدة ستمارس ضغوطاً مشددة لإجراء التفتيش على المواقع ومراقبة إنتاج باكستان للمواد الانشطارية بمرفق التخصيب بكاهوتا، ومفاعل إنتاج البولتونيوم في خوشاب، وفي مواقع أخرى. وعلى الرغم من أن باكستان ستقاوم هذا الطلب علانية، فقد توافق سراً على السماح بتركيب معدات تصوير وأجهزة استشعار متنوعة في تلك المرافق النووية.

يبدو في الوقت الحالي أن جهود صانعي القنابل الباكستانيين لبيع الأسرار النووية قد لاقت الإحباط. ولكن باستحضار روح التضامن مع الإسلاميين في كل أرجاء العالم، فقد خلق هؤلاء الخبراء طلباً شديداً على مهاراتهم وخبراتهم. وبينما لا يُتصور أن تطلب أي دولة إسلامية الآن من باكستان إمدادها بأسلحة نووية، فمن الواضح أن الجهات الفاعلة غير المنتمية لدولة ما قد تكون أكثر حماساً.

نذكر أن بعض الأعضاء البارزين في وكالة الطاقة النووية الباكستانية أرادوا أن يلعبوا دوراً في الجهاد ضد أميركا. ففي نوبة من التضامن الإسلامي سافروا إلى أفغانستان والتقوا بأسامة بن لادن وقيادات طالبان. ومن الصعب أن نصدق أن أحداً غيرهم لم تراوده نفس الرغبة.

وعلى هذا فقد عرّض صانعو القنابل الباكستانيون سلامة دولتهم للخطر إلى حد كبير. فلنتخيل على سبيل المثال العواقب المروعة لوقوع انفجار ذري في مدينة أمريكية ما. ستقوم الولايات المتحدة وقد أعماها الحزن والغضب بفرض انتقام رهيب. وفي ذلك الوقت قد يصبح مجرد الاشتباه سنداً للعمل الانتقامي.

ومن المحتمل أن تقصف أميركا باكستان بالقنابل أولاً ـ ربما بأسلحة نووية ـ ثم تبحث عن المبررات والمسوغات لاحقاً. وتعد العراق مثلاً قائماً ورسالة تذكير برغبة أميركا الشديدة في الانتقام لنفسها من هجمات سبتمبر 2001 الإرهابية ومعاقبة حتى أولئك الذين لا تربطهم صلة بالجناة. وما كان من جورج بوش وجماعته من المحافظين الجدد بعد الفشل في العثور على أسلحة الدمار الشامل أو الربط بين العراق وتنظيم القاعدة إلا أن هزوا أكتافهم بلا مبالاة.

لقد حان الوقت للتخلي عن وهم القنبلة الإسلامية، وفات أوان كبح جماح السفهاء من صانعي القنابل الباكستانيين. فقد تسببت تجارتهم النووية غير المشروعة في كابوس ألم بسمعة وسلامة وأمن دولتهم. من الصعب أن نعرف ماذا كان د. خان يقصد حين قال إنه كان يعمل بسلامة نية، فعلى الرغم من كل شيء، أي سلامة نية تلك التي تسمح بعرض أدوات القتل الشامل للبيع في السوق السوداء.

https://prosyn.org/E1HayKYar