نيويورك ــ شهد عامنا هذا أزمات إنسانية مهولة في شرق أفريقيا وأفغانستان فضلا عن أحداث مروعة مرتبطة بتغير المناخ في مختلف أنحاء العالم. لكن هاتين الفئتين من القضايا نادرا ما تُـنـاقَـشا في إطار واحد لأن كلا منهما خاضعة لعمليات مختلفة في الأمم المتحدة، وإدارات حكومية مختلفة، وحملات مناصرة مختلفة.
هذه الحال يجب أن تتغير. يرتبط مصير المناخ ومصير أشد الناس فقرا في العالم بشكل وثيق، ويتعين على الحركات الساعية إلى مساعدة الناس الأكثر ضعفا وتلك التي تدعو إلى حماية الكوكب أن تتعاون معا بشكل أفضل ــ على أن يبدأ هذا التعاون على الفور.
الواقع أن موجات الحر، وحرائق الغابات، والفيضانات المفاجئة التي اجتاحت العديد من البلدان الغربية هذا الصيف أعطت أكثر سكان العالم ثراء لـمـحـة من معنى الحياة تحت رحمة الطبيعة. في أكثر البلدان فقرا، والتي لم تفعل سوى أقل القليل للمساهمة في أزمة المناخ، أصبح هذا الواقع بالفعل جزءا من الحياة اليومية.
في شرق أفريقيا، تسببت أربعة مواسم متتالية من انقطاع هطول الأمطار ــ والتي اقترنت بالتأثيرات المترتبة على الصراعات الإقليمية، وجائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، والحرب في أوكرانيا ــ في إحداث حالة شديدة من انعدام الأمن الغذائي يعاني منها 20 مليون إنسان. وبرغم أن منطقة شرق أفريقيا تنتج 1.2% فقط من الانبعاثات الغازية العالمية وتمثل 6% من سكان العالم، فإنها تضم الآن 70% من كل الناس الذي يعانون من انعدام الأمن الغذائي ونحو 17% من الاحتياجات الإنسانية العالمية.
إدراكا منا لحقيقة مفادها أن الأشخاص الأقل مسؤولية عن تغير المناخ يدفعون بالفعل الثمن الأعلى الناجم عنه، نشرنا مؤخرا في لجنة الإنقاذ الدولية أول ملحق يتناول الأزمة على الإطلاق في قائمتنا السنوية لمراقبة الطوارئ لعام 2022 لتسليط الضوء على حجم المعاناة في شرق أفريقيا. أشارت قائمة المراقبة الأصلية لعام 2022 إلى "فشل النظام" وحثت على إعادة تشغيل النظام؛ لكن عملاءنا لا يتحملون تَـرَف انتظار الإصلاحات البنيوية؛ إنهم في احتياج إلى تحرك فوري. علاوة على ذلك، نشهد أيضا تفاقم الأزمات الإنسانية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وآسيا، وأميركا اللاتينية. أفغانستان، على سبيل المثال، لديها ضعف عدد الأشخاص في "المستوى الرابع" من انعدام الأمن الغذائي (من أصل خمسة مستويات في التصنيف الدولي للمراحل) مقارنة بشرق أفريقيا.
يهدد تغير المناخ المجتمعات الأكثر فقرا من خلال مخاطر مزمنة متفرقة مثل نقص إمدادات المياه ومرافق الصرف الصحي، والجوع، وخسارة الأنظمة البيئية الطبيعية وسبل العيش. وهذه الأزمات ليست خطية ــ بل هي تحديات أبطأ حركة بين القطاعات وتخلف عواقب خطيرة ودائمة.
At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.
Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.
Subscribe Now
هذه التحديات أساسية في اختصاصات المؤسسات الإنسانية. في تصنيفات جمعتها مبادرة نوتردام العالمية للتكيف، ظهرت ست من أصل إحدى عشرة دولة هي الأقل استعداد للتعامل مع تغير المناخ ــ جمهورية أفريقيا الوسطى، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأفغانستان، والسودان، والنيجر ــ على قائمة مراقبة الطوارئ التي تصدرها لجنة الإنقاذ الدولية أيضا.
بالنسبة لهذه البلدان وأخرى غيرها كثيرة، يجب أن يكون بناء القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ من خلال التكيف بين أهم الأولويات إلى جانب التخفيف من آثار تغير المناخ. وإليكم ثلاث طرق للبدء في التعامل مع حالة الطوارئ المناخية، وتأثيرها على البلدان المنخفضة الدخل وتلك المتأثرة بالصراعات، بجدية.
كبداية، يجب على الجهات المانحة أن تزيد من تمويلها المرن المتعدد السنوات وأن تعمل على ضمان وصول نسبة أكبر من التمويل إلى المستجيبين على الخطوط الأمامية، الذين يعرفون بيئاتهم وأنظمتهم الإيكولوجية المحلية بشكل أفضل. ويجب أن تصبح البرمجة الإنسانية أكثر استباقية، بدلا من كونها تفاعلية، عندما يتعلق الأمر بتوجيه المستجيبين على الخطوط الأمامية لاستخدام هذه الأموال لاستئجار الموظفين، والتدريب، والمعدات، وبالتالي بناء القدرة على استيعاب الأزمات والتكيف معها والاستجابة لها.
إن كل دولار يُـنـفَـق على الاستجابة المبكرة والقدرة على الصمود يوفر ثلاثة دولارات من خسائر الدخل والثروة الحيوانية. يساعد تعلم ما يصلح من استجابات ــ اعتماد البرامج على الأدلة ــ في قياس وتصعيد التدخلات في سياقات إنسانية أخرى. إن أفضل التدخلات لصالح الأشخاص المحاصرين في الأزمات هي تلك التي تقدم المساعدة الفورية في حين تغطي أيضا تكاليف التحسينات المستدامة. فهي لا تساهم في الإبقاء على الناس على قيد الحياة فحسب، بل وتساعدهم أيضا على تحقيق الرخاء والازدهار.
جعلت لجنة الإنقاذ الدولية بين أولوياتها دعم البحث والإبداع نحو التوصل إلى سبل العيش الزراعية القادرة على الصمود تحت ظروف تغير المناخ في المناطق الأشد تضررا من الآثار المضخمة المترتبة على الصراع وتغير المناخ. سوف تظل الزراعة الدعامة الاقتصادية الأساسية في أغلب البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. مع ذلك، سوف يُـنـهِـك تغير المناخ في السنوات القادمة قدرة أنظمة إنتاج الغذاء وتوافر الموارد الطبيعية، وخاصة في الأماكن المتأثرة بتدهور التربة، أو الافتقار إلى القدرة على الوصول إلى المياه، أو التصحر. مع زيادة القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ في المجتمعات المستبعدة غالبا من المفاوضات العالمية، يُـصـبِـح الناس الأكثر عُـرضة لمخاطر تغير المناخ قادرين على تحديد احتياجاتهم والاستجابة وفقا لها. وهذا أيضا من شأنه أن يخلف تأثيرات إيجابية متتالية على الأمن الغذائي، والهجرة، والصراعات.
كما تعتبر لجنة الإنقاذ الدولية أمن البذور، والمعلومات القابلة للتفعيل والتي يسهل الوصول إليها، والحد من مخاطر الكوارث من خلال العمل المجتمعي ــ مثل أنظمة الإنذار المبكر ــ مجالات تركيز حيث من الممكن أن تحقق أساليب جديدة ومكيفة تقدما كبيرا في غضون خمس سنوات في حين تقدم حلولا يمكن تطويرها في غضون عشر سنوات. في النيجر، وباكستان، وجنوب السودان، وسوريا، نبني على الأسس التي يقوم عليها عملنا الحالي ونستكشف الفرص التي تستفيد من خبراتنا ودرايتنا التكنولوجية الحالية وحلولنا الإنتاجية لتطوير الاستراتيجيات المبدعة في بناء القدرة على الصمود والتي يمكن الوصول إليها بتكلفة ميسورة.
علاوة على ذلك، لابد أن تحدث زيادة في مساعدات التكيف المقدمة للبلدان التي تتعامل بالفعل مع ظروف مناخية بالغة الصعوبة. ما زال ينقصنا مبلغ يعادل 100 مليار دولار من التمويل السنوي للعمل المناخي والذي تعهدت الدول الغنية بتوفيره في عام 2009. ولكن بعيدا عن الدراما المتمثلة في محاولة الوصول إلى هذا المبلغ الموعود (الذي جرى تحديده قبل وقت طويل من التحليلات العلمية الحالية في المناطق المهددة مناخيا)، هناك أيضا القضية الأساسية المتعلقة بكيفية إنفاق الأموال. الواقع أن 20% فقط من التمويل العام للعمل المناخي ذهب إلى البلدان النامية لتمويل مشاريع التكيف، حتى برغم أن جهود التكيف تشكل أهمية بالغة لمساعدة الناس على التعايش مع ــ والحد من ــ التأثيرات المدمرة التي يخلفها تغير المناخ والمعاناة التي تصاحبها.
الهدف الأكثر ملاءمة لتمويل جهود التكيف يجب أن يكون 50% من تمويل المناخ، بما يعادل ذات مستوى تمويل جهود التخفيف، على أن يُـسَـلَّـم في هيئة مِـنَـح بدلا من القروض. إذ لا تستطيع هذه البلدان تحمل زيادات أسعار الفائدة التي بدأت بالفعل تنتقل عبر التغيرات في سياسة الاقتصاد الكلي في أكثر أجزاء العالم ثراء.
أخيرا، يجب على كل القوى الفاعلة العامة والخاصة وغير الربحية أن تتغلب على الحواجز البيروقراطية وأن تعمل بالتعاون بين بعضها بعضا. تتعامل أغلب الجهود الإنسانية اليوم مع عوامل اقتصادية وصحية، وصراعات، تؤدي إلى تفاقم التأثيرات المترتبة على تغير المناخ وتتفاقم بفعلها، وخاصة في المناطق التي يتعذر الوصول إليها نسبيا للعمل والبحث المناخي على الأرض. وهذا يعني توفر فرص قيمة للشراكات عبر القطاعات المختلفة فضلا عن المشاركة الحاسمة مع المجتمعات المحلية، التي تعرف المخاطر التي تواجهها وكيفية حلها بشكل جماعي على نحو أفضل.
على سبيل المثال، تركز بعض برامج لجنة الإنقاذ الدولية في زيمبابوي على الحصاد المستدام وتجارة المنتجات الخشبية غير الحرجية. ومن الممكن أن تعمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص المعنية بدراسة التحديات المرتبطة بتغير المناخ في المنطقة، ونماذج الأعمال، والاعتبارات البيئية، على توفير إطار استباقي للتعامل مع عدم اليقين وتقييم التدخلات. لن تكون التدخلات فَـعّـالة ومستدامة إلا إذا كانت مناسبة للسياق المحلي، وقادرة على تلبية احتياجات المجتمع، في نطاق قدرته الإدارية. هذا منطقة حيث من الممكن أن تعمل كل من الحركات المناخية والإنسانية على نحو أفضل.
تدل أزمة المناخ على فشل النظام بأبعاد غير مسبوقة تاريخيا. لكن الأمر لا يخلو من فشل من نوع أكثر تحديدا في البقاع الساخنة إنسانيا في العالم، حيث تقصف الحكومات مواطنيها، ويفلت المجرمون من العقاب على جرائم حرب، ويتسم العمل الدبلوماسي بالجمود. الواقع أن الجميع يعانون من الفشل في الاستعداد لمخاطر المناخ، وهذا ما يتعين على القائمين على العمل الإنساني والبيئي أن يتعاونوا معا على تغييره.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
نيويورك ــ شهد عامنا هذا أزمات إنسانية مهولة في شرق أفريقيا وأفغانستان فضلا عن أحداث مروعة مرتبطة بتغير المناخ في مختلف أنحاء العالم. لكن هاتين الفئتين من القضايا نادرا ما تُـنـاقَـشا في إطار واحد لأن كلا منهما خاضعة لعمليات مختلفة في الأمم المتحدة، وإدارات حكومية مختلفة، وحملات مناصرة مختلفة.
هذه الحال يجب أن تتغير. يرتبط مصير المناخ ومصير أشد الناس فقرا في العالم بشكل وثيق، ويتعين على الحركات الساعية إلى مساعدة الناس الأكثر ضعفا وتلك التي تدعو إلى حماية الكوكب أن تتعاون معا بشكل أفضل ــ على أن يبدأ هذا التعاون على الفور.
الواقع أن موجات الحر، وحرائق الغابات، والفيضانات المفاجئة التي اجتاحت العديد من البلدان الغربية هذا الصيف أعطت أكثر سكان العالم ثراء لـمـحـة من معنى الحياة تحت رحمة الطبيعة. في أكثر البلدان فقرا، والتي لم تفعل سوى أقل القليل للمساهمة في أزمة المناخ، أصبح هذا الواقع بالفعل جزءا من الحياة اليومية.
في شرق أفريقيا، تسببت أربعة مواسم متتالية من انقطاع هطول الأمطار ــ والتي اقترنت بالتأثيرات المترتبة على الصراعات الإقليمية، وجائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، والحرب في أوكرانيا ــ في إحداث حالة شديدة من انعدام الأمن الغذائي يعاني منها 20 مليون إنسان. وبرغم أن منطقة شرق أفريقيا تنتج 1.2% فقط من الانبعاثات الغازية العالمية وتمثل 6% من سكان العالم، فإنها تضم الآن 70% من كل الناس الذي يعانون من انعدام الأمن الغذائي ونحو 17% من الاحتياجات الإنسانية العالمية.
إدراكا منا لحقيقة مفادها أن الأشخاص الأقل مسؤولية عن تغير المناخ يدفعون بالفعل الثمن الأعلى الناجم عنه، نشرنا مؤخرا في لجنة الإنقاذ الدولية أول ملحق يتناول الأزمة على الإطلاق في قائمتنا السنوية لمراقبة الطوارئ لعام 2022 لتسليط الضوء على حجم المعاناة في شرق أفريقيا. أشارت قائمة المراقبة الأصلية لعام 2022 إلى "فشل النظام" وحثت على إعادة تشغيل النظام؛ لكن عملاءنا لا يتحملون تَـرَف انتظار الإصلاحات البنيوية؛ إنهم في احتياج إلى تحرك فوري. علاوة على ذلك، نشهد أيضا تفاقم الأزمات الإنسانية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وآسيا، وأميركا اللاتينية. أفغانستان، على سبيل المثال، لديها ضعف عدد الأشخاص في "المستوى الرابع" من انعدام الأمن الغذائي (من أصل خمسة مستويات في التصنيف الدولي للمراحل) مقارنة بشرق أفريقيا.
يهدد تغير المناخ المجتمعات الأكثر فقرا من خلال مخاطر مزمنة متفرقة مثل نقص إمدادات المياه ومرافق الصرف الصحي، والجوع، وخسارة الأنظمة البيئية الطبيعية وسبل العيش. وهذه الأزمات ليست خطية ــ بل هي تحديات أبطأ حركة بين القطاعات وتخلف عواقب خطيرة ودائمة.
Winter Sale: Save 40% on a new PS subscription
At a time of escalating global turmoil, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided.
Subscribe to Digital or Digital Plus now to secure your discount.
Subscribe Now
هذه التحديات أساسية في اختصاصات المؤسسات الإنسانية. في تصنيفات جمعتها مبادرة نوتردام العالمية للتكيف، ظهرت ست من أصل إحدى عشرة دولة هي الأقل استعداد للتعامل مع تغير المناخ ــ جمهورية أفريقيا الوسطى، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأفغانستان، والسودان، والنيجر ــ على قائمة مراقبة الطوارئ التي تصدرها لجنة الإنقاذ الدولية أيضا.
بالنسبة لهذه البلدان وأخرى غيرها كثيرة، يجب أن يكون بناء القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ من خلال التكيف بين أهم الأولويات إلى جانب التخفيف من آثار تغير المناخ. وإليكم ثلاث طرق للبدء في التعامل مع حالة الطوارئ المناخية، وتأثيرها على البلدان المنخفضة الدخل وتلك المتأثرة بالصراعات، بجدية.
كبداية، يجب على الجهات المانحة أن تزيد من تمويلها المرن المتعدد السنوات وأن تعمل على ضمان وصول نسبة أكبر من التمويل إلى المستجيبين على الخطوط الأمامية، الذين يعرفون بيئاتهم وأنظمتهم الإيكولوجية المحلية بشكل أفضل. ويجب أن تصبح البرمجة الإنسانية أكثر استباقية، بدلا من كونها تفاعلية، عندما يتعلق الأمر بتوجيه المستجيبين على الخطوط الأمامية لاستخدام هذه الأموال لاستئجار الموظفين، والتدريب، والمعدات، وبالتالي بناء القدرة على استيعاب الأزمات والتكيف معها والاستجابة لها.
إن كل دولار يُـنـفَـق على الاستجابة المبكرة والقدرة على الصمود يوفر ثلاثة دولارات من خسائر الدخل والثروة الحيوانية. يساعد تعلم ما يصلح من استجابات ــ اعتماد البرامج على الأدلة ــ في قياس وتصعيد التدخلات في سياقات إنسانية أخرى. إن أفضل التدخلات لصالح الأشخاص المحاصرين في الأزمات هي تلك التي تقدم المساعدة الفورية في حين تغطي أيضا تكاليف التحسينات المستدامة. فهي لا تساهم في الإبقاء على الناس على قيد الحياة فحسب، بل وتساعدهم أيضا على تحقيق الرخاء والازدهار.
جعلت لجنة الإنقاذ الدولية بين أولوياتها دعم البحث والإبداع نحو التوصل إلى سبل العيش الزراعية القادرة على الصمود تحت ظروف تغير المناخ في المناطق الأشد تضررا من الآثار المضخمة المترتبة على الصراع وتغير المناخ. سوف تظل الزراعة الدعامة الاقتصادية الأساسية في أغلب البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. مع ذلك، سوف يُـنـهِـك تغير المناخ في السنوات القادمة قدرة أنظمة إنتاج الغذاء وتوافر الموارد الطبيعية، وخاصة في الأماكن المتأثرة بتدهور التربة، أو الافتقار إلى القدرة على الوصول إلى المياه، أو التصحر. مع زيادة القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ في المجتمعات المستبعدة غالبا من المفاوضات العالمية، يُـصـبِـح الناس الأكثر عُـرضة لمخاطر تغير المناخ قادرين على تحديد احتياجاتهم والاستجابة وفقا لها. وهذا أيضا من شأنه أن يخلف تأثيرات إيجابية متتالية على الأمن الغذائي، والهجرة، والصراعات.
كما تعتبر لجنة الإنقاذ الدولية أمن البذور، والمعلومات القابلة للتفعيل والتي يسهل الوصول إليها، والحد من مخاطر الكوارث من خلال العمل المجتمعي ــ مثل أنظمة الإنذار المبكر ــ مجالات تركيز حيث من الممكن أن تحقق أساليب جديدة ومكيفة تقدما كبيرا في غضون خمس سنوات في حين تقدم حلولا يمكن تطويرها في غضون عشر سنوات. في النيجر، وباكستان، وجنوب السودان، وسوريا، نبني على الأسس التي يقوم عليها عملنا الحالي ونستكشف الفرص التي تستفيد من خبراتنا ودرايتنا التكنولوجية الحالية وحلولنا الإنتاجية لتطوير الاستراتيجيات المبدعة في بناء القدرة على الصمود والتي يمكن الوصول إليها بتكلفة ميسورة.
علاوة على ذلك، لابد أن تحدث زيادة في مساعدات التكيف المقدمة للبلدان التي تتعامل بالفعل مع ظروف مناخية بالغة الصعوبة. ما زال ينقصنا مبلغ يعادل 100 مليار دولار من التمويل السنوي للعمل المناخي والذي تعهدت الدول الغنية بتوفيره في عام 2009. ولكن بعيدا عن الدراما المتمثلة في محاولة الوصول إلى هذا المبلغ الموعود (الذي جرى تحديده قبل وقت طويل من التحليلات العلمية الحالية في المناطق المهددة مناخيا)، هناك أيضا القضية الأساسية المتعلقة بكيفية إنفاق الأموال. الواقع أن 20% فقط من التمويل العام للعمل المناخي ذهب إلى البلدان النامية لتمويل مشاريع التكيف، حتى برغم أن جهود التكيف تشكل أهمية بالغة لمساعدة الناس على التعايش مع ــ والحد من ــ التأثيرات المدمرة التي يخلفها تغير المناخ والمعاناة التي تصاحبها.
الهدف الأكثر ملاءمة لتمويل جهود التكيف يجب أن يكون 50% من تمويل المناخ، بما يعادل ذات مستوى تمويل جهود التخفيف، على أن يُـسَـلَّـم في هيئة مِـنَـح بدلا من القروض. إذ لا تستطيع هذه البلدان تحمل زيادات أسعار الفائدة التي بدأت بالفعل تنتقل عبر التغيرات في سياسة الاقتصاد الكلي في أكثر أجزاء العالم ثراء.
أخيرا، يجب على كل القوى الفاعلة العامة والخاصة وغير الربحية أن تتغلب على الحواجز البيروقراطية وأن تعمل بالتعاون بين بعضها بعضا. تتعامل أغلب الجهود الإنسانية اليوم مع عوامل اقتصادية وصحية، وصراعات، تؤدي إلى تفاقم التأثيرات المترتبة على تغير المناخ وتتفاقم بفعلها، وخاصة في المناطق التي يتعذر الوصول إليها نسبيا للعمل والبحث المناخي على الأرض. وهذا يعني توفر فرص قيمة للشراكات عبر القطاعات المختلفة فضلا عن المشاركة الحاسمة مع المجتمعات المحلية، التي تعرف المخاطر التي تواجهها وكيفية حلها بشكل جماعي على نحو أفضل.
على سبيل المثال، تركز بعض برامج لجنة الإنقاذ الدولية في زيمبابوي على الحصاد المستدام وتجارة المنتجات الخشبية غير الحرجية. ومن الممكن أن تعمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص المعنية بدراسة التحديات المرتبطة بتغير المناخ في المنطقة، ونماذج الأعمال، والاعتبارات البيئية، على توفير إطار استباقي للتعامل مع عدم اليقين وتقييم التدخلات. لن تكون التدخلات فَـعّـالة ومستدامة إلا إذا كانت مناسبة للسياق المحلي، وقادرة على تلبية احتياجات المجتمع، في نطاق قدرته الإدارية. هذا منطقة حيث من الممكن أن تعمل كل من الحركات المناخية والإنسانية على نحو أفضل.
تدل أزمة المناخ على فشل النظام بأبعاد غير مسبوقة تاريخيا. لكن الأمر لا يخلو من فشل من نوع أكثر تحديدا في البقاع الساخنة إنسانيا في العالم، حيث تقصف الحكومات مواطنيها، ويفلت المجرمون من العقاب على جرائم حرب، ويتسم العمل الدبلوماسي بالجمود. الواقع أن الجميع يعانون من الفشل في الاستعداد لمخاطر المناخ، وهذا ما يتعين على القائمين على العمل الإنساني والبيئي أن يتعاونوا معا على تغييره.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali