kmoeti1_Getty Images Getty Images

النضال من أجل خلق فضاء مدني في العصر الرقمي

جوهانسبرغ- نظرًا لأن عمليات الإغلاق والقيود المفروضة المتعلقة بكوفيد-19 أصبحت جزءًا من الحياة اليومية لمليارات الأشخاص حول العالم، أصبحت بعض المهام مثل التسوق، والتعليم، والاتصال بالأقرباء، تُنجز عبر الأنترنيت فقط. ويخلف هذا التحول المتسارع نحو التقنيات الرقمية الجديدة آثارا كبيرة أيضًا- إيجابية كانت أو سلبية- على مستقبل النشاط المدني والمشاركة السياسية.

عندما انتشر الوباء في جميع أنحاء العالم في أذار/مارس 2020، أفاد موقع (فيسبوك) عن ارتفاع غير مسبوق في استخدامه عبر المستوى العالمي، خاصة في الرسائل الخاصة ومكالمات الفيديو. وقبل ذلك بفترة وجيزة، وصل تطبيق واتساب، وهي منصة المراسلة الأكثر شعبية في العالم (المملوكة لفيسبوك)، إلى ملياري مستخدم. وفي جميع أنحاء العالم، شهد مشَغلو نظام الهاتف الثابت والمتنقل زيادة كبيرة في حركة الاتصالات عبر الإنترنت- مع قيام دول مثل جنوب إفريقيا بتوزيع طيف إضافي مؤقت لتجنب ازدحام الشبكة- بينما أبلغ مزودو خدمات الاتصالات في الولايات المتحدة مثل (إي تي آند تي) عن زيادات كبيرة في المكالمات الصوتية عبر الهاتف المحمول.

وعلى الرغم من هذه الزيادة في الاستخدام، لا تزال الفجوة الرقمية قائمة بسبب عوائق مثل التكلفة واللغة وجودة الاتصال. ويتمتع سكان جنوب إفريقيا بإمكانية وصول كبيرة إلى الأجهزة التي تدعم الإنترنت، ولكن غالب المستهلكين من ذوي الدخل المنخفض لازالوا دون اتصال بالأنترنيت، لأن التمييز في الأسعار من قبل مشغلي شبكات الهاتف المحمول يعني أن الفقراء يدفعون مقابل البيانات أكثر مما يدفعه المواطنون الأشد ثراءً.

ومع ذلك، كما يؤكد الوباء، أصبح الاتصال الرقمي جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية لمعظم الناس. وهذه التقنيات الجديدة باقية حتى إشعار آخر، ويجب على النشطاء المدنيين، على وجه الخصوص، مراقبتها بعين ناقدة.

في الثمانينيات من القرن العشرين، استخدم النشطاء أدوات مثل تقنية التشفير لتعزيز قضاياهم. ويستخدم خلفاؤهم في الوقت الحاضر ابتكارات رقمية أحدث، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي.

وتشمل الحملات البارزة المستوحاة من العالم الرقمي احتجاجات #EndSARS التي حدثت في الآونة الأخيرة ضد وحشية الشرطة في نيجيريا. كذلك، تم استخدام هاشتاغ # حياة الأمريكيين تهم، 3.7 مليون مرة تقريبا يوميًا على (تويتر)، في الفترة ما بين 26 مايو/أيار و7 حزيران/ يونيو 2020، بعد مقتل (جورج فلويد) على يد ضابط شرطة أمريكي أبيض. وذهبت كلتا الحملتين إلى ما هو أبعد من الإثارة التي انتشرت على الانترنيت لمدة قصيرة، بل كان لهما تأثير مستمر تجاوز المجال الرقمي.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

وفي وقت سابق، أدت زيادة الوصول الرقمي إلى ظهور منظمات مدنية للتكنولوجيا مثل (أوشاهدي) ومقرها نيروبي، وهي منصة مفتوحة المصدر للحصول على معلومات الأزمات من خلال الاستعانة بمصادر خارجية. واستُخدمت الأداة لأول مرة لرسم خرائط لتقارير العنف في البلاد خلال شهرين بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2007، التي أدت إلى مقتل ما يقدر بـ1000 شخص، ونزوح مئات الآلاف داخل البلاد. ومنذ ذلك الحين، طُورت ميزات المنصة إلى درجة أكبر، واستخدمت أكثر من 120 ألف مرة، بما في ذلك في جهود الاستجابة لـكوفيد-19 في جميع انحاء العالم.

ولكن الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية تستخدم التقنيات الرقمية لتقليص المساحة المدنية، بل وإغلاقها، مما يدل على أن الطريق مازل طويلا أمام التفاؤل المبكر بشأن إمكانات التحول الديمقراطي لهذه الأدوات. ففي أوائل نيسان/أبريل 2021، على سبيل المثال، تم القبض على الناشط الكيني، إدوين كياما، بتهمة الاشتباه في أنه كان وراء ملصق تم تداوله على الإنترنت يعارض قروض صندوق النقد الدولي لكينيا، ويَظهر فيه الرئيس الكيني (أوهورو كينياتا). وعلى الرغم من عدم توجيه أي تهم إليه، اعتُقل كياما بكفالة نقدية ضخمة بقيمة 500 ألف شيلينغ كيني (4685 دولارًا أمريكيًا)، وتم حظر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من إطلاق سراحه لاحقًا، إلا أن ما حدث أرسل رسالة تقشعر لها الأبدان حول العواقب المحتملة للتعبير عن رأي معارض على الإنترنت.

والاعتقالات ليست الأسلوب الوحيد لتقليص الحيز المدني. إذ تشمل أساليب أخرى توسيع المراقبة، وحجب المعلومات من خلال توقيف خدمة الإنترنت، وهجمات تشريعية، وحملات التضليل والمعلومات المضللة المستهدفَة. وتشمل، في بعض الحالات، تواطؤ عمالقة التكنولوجيا مع الحكومات القمعية. إذ يُزعم أن (غوغل) و(فيسبوك) قد ساهمتا في حملة حكومية هندية شريرة ضد نشطاء المناخ، وحرضتا عليها، في حين أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي كانت متواطئة في التحريض على العنف العرقي في ميانمار.

ويفيد تقرير الحرية على الأنترنيت السنوي الصادر عن (فريدم هاوس)، أن حرية الإنترنت العالمية تراجعت للعام العاشر على التوالي في عام 2020. وخلصت الدراسة إلى أن الوباء قد أجج القمع الرقمي في جميع أنحاء العالم، حيث أن عدد البلدان التي سجلت تزايد عدد حالات القمع أكبر من تلك التي حققت مكاسب مقارنة بالعام السابق. ويحدث هذا بعد سنوات من التحذيرات من أن العالم ينحدر إلى عصر الاستبداد الرقمي.

كذلك، خلص تحليل حديث لحالة الحقوق الرقمية في عشرة بلدان أفريقية- أول دراسة مقارنة للنظر في السياق السياسي والمدني والتكنولوجي الأوسع للقارة- إلى أن التقنيات الرقمية كانت تُستخدم لإغلاق الفضاء المدني عبر الإنترنت مرتين تقريبًا أكثر من استخدامها لفتحه.

يجب على المجتمعات معالجة توزيع القوة السياسية والاقتصادية التي تدفع الجهود لاستخدام التقنيات الرقمية لغايات قمعية. وإن لم يحدث ذلك، ستستمر الحكومات والشركات في تقليص المواطنة الرقمية لتعزيز سلطاتها، أو تعزيز مصالحها الخاصة.

وبطبيعة الحال، يظهر استخدام التقنيات الرقمية لفتح وإغلاق الفضاء المدني أن التكنولوجيا في حد ذاتها ليست جيدة ولا سيئة. وما يهم هو كيف يشكل النظام الاجتماعي السائد التقنيات، ويستخدمها للحفاظ على الوضع الراهن، وتعزيز مصالح أعضائه المهيمنين. إن بناء القدرة على النهوض بالسياسة العامة وأجندة الحوكمة الرقمية التي تركز على المصلحة العامة، بدلاً من السيطرة والاستخراج والأرباح، هي بداية جيدة. وكما تعلمنا من كل من الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، يجب علينا أيضًا أن نعالج بصورة عاجلة المظالم الهيكلية التي يستغلها أصحاب الأجندات الشائنة لنشر المعلومات المضللة والتلاعب بالناس. ولا تتعلق هذه الحلول بالتقنيات الجديدة، بل تتعلق بالطرق التي تعكس بها قيم مصالح القوة المهيمنة وتعيد إنتاجها

لقد أظهرت أزمة كوفيد-19 مدى أهمية التقنيات الرقمية. إذ يمكن أن تكون أداة قوية في النضال من أجل بناء عالم أكثر عدلاً بعد الجائحة، أو يمكن أن تكون سلاحًا هائلاً في أيدي من يدافع عن الظلم. وحتى الآن، يشير الواقع إلى كلتا الحالتين.

ترجمة:   نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/JJU5Dc9ar