2f0df40346f86f380ee4d81e_pa2167c.jpg

النفط ومسيرته الصاعدة

إيرفنج، تكساس ـ عندما التقى أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في فيينا مؤخرا، فشل السعوديون في السيطرة على الاجتماع، فقد ظل سقف الإنتاج الذي حددته الأوبك بلا تغيير، والبلدان الأعضاء تحدد بنفسها مستويات إنتاجها. ولكن الحديث عن انهيار الأوبك سابق لأوانه. فقد نجت المنظمة من حروب كبرى، ونزاعات دبلوماسية لا حصر لها، فضلاً عن انهيارين كبيرين للسوق. والواقع أن سر بقاء منظمة الأوبك يكمن في ضعفها وليس قوتها.

فسواء كان هناك احتكاك أو لم يكن، فإن الأوبك كانت، وسوف تظل، على غير علاقة بقوى السوق على أرض الواقع. فالأوبك لم تتمتع قط بقوة سوقية، ولكن المملكة العربية السعودية تتمتع بقوة سوقية، وكانت قوة السوق السعودية تعزى دوماً وعن طريق الخطأ للأوبك.

ولكن السعوديين لم يبدوا إعجابهم بالاجتماع الأخير. فقد قرروا أن يمضوا قدماً بمفردهم. ولكن هل سيتمكنون حقاً من الوفاء بتعهداتهم؟ الإجابة هي "كلا". والتحرك الأخير الذي قامت به الدول الأعضاء الثماني والعشرين في الوكالة الدولية للطاقة للإفراج عن النفط من الاحتياطيات الاستراتيجية يثبت هذه الحقيقة.

لقد تحولت سوق النفط العالمية إلى بحر واسع قادر على توليد عواصفه بنفسه، وهو ما يضمن استمرار ذلك البحر في النمو. وبالنظر إلى التاريخ الحديث، فبوسعنا أن نحدد أربعة عوامل من شأنها أن تستمر في دفع أسعار النفط إلى الارتفاع ما لم يتسبب زلزال كبير في تركيع السوق.

يتخلص العامل الأول في العلاقة بين أسعار النفط والنمو الاقتصادي في الدول المنتجة للنفط. فالأسعار المرتفعة تغذي مستويات نمو أعلى في هذه البلدان، مصحوبة بازدهار سكاني، وتؤدي إلى معدلات استهلاك محلي أعلى للطاقة. وهذا بدوره يعمل على تقليص حجم الصادرات من النفط، فتزداد الأسعار ارتفاعا. ولن تنكسر هذه الحلقة المفرغة إلا بفترة من الركود العميق؛ وإلا فإننا نتجه نحو أزمة طاقة مؤكدة. بطبيعة الحال، من غير الممكن أن تستمر السعار في الارتفاع إلى ما لا نهاية ـ ذلك أن زيادة السعر من شأنها أن تقنن الطلب.

وقد أدت الزيادة في الطلب على الطاقة بالفعل إلى نقص الطاقة في الدول المنتجة للنفط، والتي من المتوقع أن تحد من صادراتها هذا الصيف. فضلاً عن ذلك فإن كميات أكبر من النفط الخام سوف تحرق في محطات الطاقة، والمزيد من وقود الديزل سوف يحرق في المولدات الخاصة، والمزيد من الجازولين سوف يحرق في سيارات الدفع الرباعي الضخمة من الرياض إلى مدينة الكويت أثناء فترات انقطاع التيار الكهربائي، حيث يصبح المكان الوحيد الذي يتوفر فيه تكييف الهواء سيارة متحركة.

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99
BF2024-Onsite-1333x1000

BLACK FRIDAY SALE: Subscribe for as little as $34.99

Subscribe now to gain access to insights and analyses from the world’s leading thinkers – starting at just $34.99 for your first year.

Subscribe Now

ويكمن العامل الثاني في العلاقة بين أسعار النفط والحاجة إلى تنويع مصادر الدخل في الدول المنتجة للنفط. فمع ارتفاع أسعار النفط يزيد اعتماد هذه البلدان على قطاع النفط، وعلى الرغم من كل الجهود الرامية إلى تنويع الاقتصاد. ولمحاربة التأثير المترتب على الاعتماد على النفط، تنفق هذه البلدان من عائدات النفط على قطاعات أخرى، وهو ما يحد من الاستثمارات في قطاع النفط. ومع زيادة الطلب العالمي على النفط، تتضاءل القدرة على تلبيته ـ وهي الدورة التي ستستمر إلى أن ينهار الطلب.

ثم تأتي اللغة الخطابية فيما يتصل بالاعتماد على الطاقة في البلدان المستهلكة للنفط لتزيد الطين بلة: حيث تعمل الدول المنتجة على إنشاء صناعات تعتمد على الطاقة بكثافة بهدف ضمان إيجاد سوق لنفطها بمجرد اتجاه الدول المستهلكة إلى فطام نفسها عن النفط. فهي تعتزم تصدير النفط كمكون داخل في تصنيع منتجات أخرى، مثل البتروكيماويات، والبلاستيك، والألمنيوم، وغير ذلك. وهي قادرة على إنشاء مثل هذه المصانع بسرعة أكبر من قدرة الدول المستهلكة للنفط على إيجاد البدائل لوارداتها من النفط، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم العجز في المستقبل. ومرة أخرى، سوف تعمل الأسعار المرتفعة على تقنين الطلب العالمي على النفط، ولكن بعد فترة من المعاناة الاقتصادية في بعض المناطق حول العالم.

ويتلخص العامل الثالث في الحلقة المفرغة المتمثلة في أسعار النفط وقيمة الدولار الأميركي. فارتفاع أسعار النفط يعني زيادة العجز التجاري الأميركي، وهو ما يؤدي بالتالي إلى انخفاض قيمة الدولار. وبسبب هذه العلاقة العكسية بين أسعار النفط والدولار، فإن الدولار الأكثر ضعفاً يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، فيزداد حجم العجز التجاري، الأمر الذي يفرض المزيد من الضغط النزولي على الدولار. وسوف تستمر أسعار النفط في الارتفاع إلى أن ينهار الطلب. وتشير الأدلة الإحصائية إلى أن هذه العلاقة سوف تضعف بمجرد تعافي سوق العقارات، ولكن هذا يظل احتمالاً في الأمد البعيد.

وأخيرا، هناك العلاقة بين أسعار النفط والسياسات المالية والنقدية في البلدان المستهلكة للنفط. فلمكافحة التأثيرات المترتبة على أسعار النفط المرتفعة، تتبنى البلدان المستهلكة سياسات اقتصادية توسعية، فتخفض أسعار الفائدة وتزيد من الإنفاق الحكومي. ويعمل هذا على تمكين النمو الاقتصادي المستمر بفضل أسعار النفط المرتفعة. ولكن النمو المستمر يزيد من الطلب على النفط، فيدفع ذلك الأسعار إلى المزيد من الارتفاع. والبديل للتوسع النقدي والمالي هو الركود، وعند هذه النقطة تتوقف أسعار النفط عن الارتفاع.

وفي ضوء الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط، فإن غياب النفط الليبي واليمين، وزيادة الطلب على الطاقة في الدول المنتجة للنفط، فإن أي زيادة في الصادرات السعودية من النفط لن تخلف تأثيراً كبيراً على السوق. إذ أن العامل المؤثر هنا ليس إنتاج النفط، بل تصديره، وهذا يعني بدوره أن التصريحات عن زيادة إنتاج النفط لا تؤثر على الأسعار. وبصرف النظر عن قرار الأوبك أو بلدانها الأعضاء، فإن الحلقة المفرغة التي وصفناها هنا سوف تعمل على دعم أسعار النفط في مختلف أنحاء العالم، ربما عند حدود السبعين إلى التسعين دولاراً للبرميل.

ورغم ذلك فيتعين على أعضاء منظمة الأوبك وصناع القرار السياسي في البلدان المستهلكة للنفط إلا ينسوا أن لا شيء يعالج الأسعار المرتفعة مثل الأسعار المرتفعة.

https://prosyn.org/QIS3AEMar