أمل كينيا في الديمقراطية

لقد أصبح لدى الشعب الكيني الكير مما يستحق الاحتفال هذا الأسبوع. فقد اصطف أهل كينيا بأعداد كبيرة في صفوف طويلة ينتظرون للإدلاء بأصواتهم في سلام، وأعلنوا رفضهم الواضح القاطع لذلك الدستور المختل المعيب الذي فُـرِضَ عليهم في استعجال.

إن استفتاء الواحد والعشرين من نوفمبر يشكل خطوة أخرى في غاية الأهمية نحو تعزيز وترسيخ عملية انتقال كينيا إلى ديمقراطية حقيقية. ولم تقتصر النتائج التي ترتبت على التصويت بالرفض في ذلك الاستفتاء على إحباط محاولات الرئيس مواي كيباكي وبطانته لإحكام قبضتهم على السلطة فحسب، بل لقد أدى ذلك الرفض أيضاً إلى تأكيد وترسيخ قناعة رجل الشارع العادي في كينيا بالقوة التي يستطيع أن يكتسبها من خلال صناديق الاقتراع.

وبينما سارع الشعب الكيني إلى إظهار احترامه للعملية القانونية الشرعية وديمقراطية المشاركة، فقد كشفت فترة الإعداد للاستفتاء عن الوجه القبيح للحكومة الكينية. فقد استغلت إدارة كيباكي هذا العام لترسيخ السلطة بين أيدي زمرة عرقية ضئيلة. حتى أن الإصلاحيين داخل الحكومة لم يستسلموا لهذه الردة فحسب، بل لقد ساهموا فيها بنشاط أيضاً.

منذ عامين كانت الصورة تبدو أكثر إشراقاً بعض الشيء. فلكي تظهر في ثوب الحكومة الإصلاحية التي تسعى إلى تشجيع ودعم احترام حقوق الإنسان وحكم القانون، بذلت حكومة كيباكي الوعود للشعب الكيني بوضع دستور جديد خلال مائة يوم من توليها السلطة في عام 2003. وآنذاك كانت مسودة الدستور قيد الأعداد لسنوات عديدة وتم رسمها بعد العديد من المشاورات الوطنية المكثفة. وكانت تحتوي على فقرات تنص على إلغاء السلطات الرئاسية المبالغ فيها، وتمنح الشعب الكيني وثيقة حقوق أشد قوة.

لكن ما تعمدت حكومة كيباكي أن تغفل ذكره هو أنها سوف تغير مسودة الدستور في الدقيقة الأخيرة. فبعد أن ظلت تماطل طيلة عامين ونصف العام، سارعت الحكومة قبل يوم واحد من موعد انتهاء صلاحية مسودة الدستور فطرحت أمام البرلمان مسودة بديلة تنص على الحفاظ على السلطات الرئاسية القوية، وتعمل على إضعاف وثيقة الحقوق، وتتلاعب في النسبة الانتخابية المطلوبة للفوز بمنصب الرئيس. لقد قررت الحكومة حرماننا من المشاركة في عملية صياغة الدستور، على الرغم من الأهمية الشديدة التي تمثلها المشاركة الشعبية في صياغة أي دستور. ولم يكن أمام جماهير الناس سوى خيار واحد: "نعم" أو "لا".

بدأت الحملة الدعائية للاستفتاء على الدستور باهتياج واضطراب عظيمين. فمن خلال مزيج من الحوافز المالية والتهديد والوعيد، بما في ذلك حالتي إطلاق نار على الجماهير من قِـبَل قوات الشرطة أثناء المظاهرات، أصدرت حكومة كيباكي أوامرها إلى الشعب بالتصويت بالقبول.

Secure your copy of PS Quarterly: Age of Extremes
PS_Quarterly_Q2-24_1333x1000_No-Text

Secure your copy of PS Quarterly: Age of Extremes

The newest issue of our magazine, PS Quarterly: Age of Extremes, is here. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Premium now.

Subscribe Now

ثم تخلت الحكومة عن اللغة الخطابية الرنانة المغلفة بكلمات الإصلاح حين بدأ الرئيس كيباكي في توزيع صكوك ملكية الائتمان الوطني وأراضي المتنزهات سعياً إلى كسب الأصوات. بعد ذلك أخبرت الحكومة موظفيها العموميين أن مسودة الدستور كانت بمثابة مشروع حكومي يتعين عليهم مساندته. ثم أمطرت الحكومة الصحافيين العاملين في الصحف ومحطات البث الإعلامي بالتحذيرات وهددتهم بسحب تراخيصهم إذا ما أقدمت أي محطة إذاعية على بث مقابلة مع أي عضو بالبرلمان يعارض دستور كيباكي.

ثم أعلنت الحكومة، وهي تعد العدة لانتخابات 2007، عن إنشاء 47 منطقة انتخابية جديدة. والحقيقة أن كل هذه الخطوات لم تنجح في إخفاء جدول أعمال الحكومة الحقيقي الذي لم يكن يسعى إلى ضمان إحراز النصر في الانتخابات فحسب، بل كان شغله الشاغل أيضاً أن يرسخ الهيمنة السياسية لجماعة كيباكي العرقية.

لكن البسطاء من الناس أعلنوا رفضهم للعبة السلطة التي كان كيباكي يمارسها، وأعادوا أمتهم إلى المسار الصحيح عبر صناديق الاقتراع ـ وهي فكرة غير مسبوقة في المجتمع الكيني. والحقيقة أن طريق كينيا الوعر نحو الديمقراطية لا يختلف كثيراً عن أمثاله من الطرق في العديد من دول أفريقيا التي بشر تحولها السياسي بتوقعات عظيمة. لقد تعرضت كينيا لردة محتومة عن المسار الصحيح نحو الديمقراطية، كما عانت من الفساد المستمر، والبرامج الإصلاحية المضللة التي لم تتحقق، والتي ما زالت تشكل أفكاراً صامدة في أماكن أخرى من القارة.

ولكن على الرغم من كل ذلك فما زالت هناك منارة أمل باقية، والتي تتمثل في التغيير الذي طرأ على عقول وأذهان عامة الناس في كينيا. فبعد أن برز الشعب الكيني إلى السطح من خلال الانتخابات السلمية الناجحة التي جرت في عام 2002 والتي حملت معها الأمل في التغيير، ظل هذا الشعب يعبر عن غضبه بصوت مسموع بسبب تراجع الحكومة عن الوفاء بوعودها. ومنذ ذلك الوقت انتشرت البرامج الإذاعية التي تشارك فيها الجماهير بآرائها على الهواء، كما أصبحت المناقشات العامة على أشدها. وعلى الرغم من اضمحلال شعور عامة الناس بالنشاط والخفة وخفوت الآمال العريضة التي كانت تحدوهم، إلا أن الشعب الكيني ما زال منخرطاً بكل عزيمة وإصرار في العملية الديمقراطية.

يتعين علينا أن نعترف بأن حكومة كيباكي قد أقرت بهزيمتها بروح طيبة، لكن الفضل الحقيقي في ذلك يرجع إلى شعب كينيا الذي رفض السماح للسلطات بإعفاء نفسها من الالتزام بحكم القانون. ولقد لعب رجل الشارع البسيط دوراً رئيسياً في تغيير نتيجة كانت قد تعتبر منذ عشرة أعوام حتمية ولا سبيل إلى تغييرها.

إن العديد من الشعوب الأفريقية التي تندب فجيعتها في التحولات الديمقراطية الهزيلة التي شهدتها بلدانها، لابد وأن تستمد القوة من التجربة الكينية الرائدة. ولسوف يكون التحدي الحقيقي الماثل أمام المجتمع الدولي أن يعمل ولا يدخر وسعاً لكي يظل الحيز السياسي الذي اكتسبه الشعب الكيني بالجهد والعرق مفتوحاً.

https://prosyn.org/Lyjpvu7ar