larrain2_Frédéric SoltanCorbis via Getty Images_chiletradeshipping Frédéric Soltan/Corbis via Getty Images

كيف يتعين على أمريكا اللاتينية التعامل مع التوترات بين الولايات المتحدة والصين

سانتياغو - في حين كانت تحظى الصين ذات يوم بمكانة ثانوية في أمريكا اللاتينية، أصبحت اليوم واحدة من أهم الشركاء في المنطقة. فقد توسع حجم التجارة الثنائية من 12 مليار دولار في عام 2000 إلى أكثر من 300 مليار دولار في عام 2020، الأمر الذي أدى إلى رفع حصة الصين من مجموع التجارة في المنطقة من 1.7٪ إلى 14.4٪. كما أصبحت الصين أيضًا على نحو متزايد مصدرًا مهمًا للاستثمار الأجنبي المباشر في أمريكا اللاتينية، حيث مثلت ما يقرب من 10٪ من التدفقات في السنوات الأخيرة.

لم يمر النفوذ الصيني المتزايد في النصف الغربي من الكرة الأرضية دون أن تلاحظه الولايات المتحدة. وفي غياب إمكانية إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، يستمر التنافس بين أكبر اقتصادين وأكبر بلدين تجاريين في العالم في التصاعد على الصعيد العالمي وفي أمريكا اللاتينية.

وعلى المدى القصير، يمكن أن يصبح تسييس إمكانية الوصول إلى لقاحات كوفيد 19 أحدث مُحفز لتجدد التوترات الصينية الأمريكية. وعلى المدى المتوسط ​​والطويل - ربما بحلول عام 2035 - يمكن أن تحل الصين محل الولايات المتحدة باعتبارها الشريك التجاري الأكبر في المنطقة. تُعد البلاد بالفعل أهم شريك تجاري للبرازيل وبيرو وتشيلي، حيث تتلقى ما بين 30 و40٪ من صادرات هذه الدول.

وفي هذا السياق، يتلخص السؤال الرئيسي بالنسبة لأمريكا اللاتينية فيما إذا كانت المنطقة قادرة على التكيف بنجاح مع الديناميكيات التنافسية المُستمرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، أو حتى الاستفادة منها. لكن الإجابة تظل مُتباينة وغير واضحة في أحسن الأحوال، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاختلافات الكبيرة بين مختلف أنحاء المنطقة.

يجب النظر في الحرب التجارية القائمة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تصاعدت في شهر مارس / آذار عام 2018 في ظل الجولة الأولى من فرض الرسوم الجمركية الانتقامية المُتبادلة. على الرغم من تحقيق مُصدري فول الصويا في البرازيل مكاسب ضخمة على مدى السنوات الثلاث الماضية من خلال استبدال الصادرات الأمريكية إلى الصين، إلا أن بلدان وقطاعات أخرى في أمريكا اللاتينية لم تستفد بالضرورة من تحويل التجارة بنفس القدر. وحتى في البرازيل، تسود حالة من عدم اليقين بشأن الاستدامة طويلة الأجل لازدهار الصادرات التي أحدثتها الحرب التجارية.

علاوة على ذلك، تعرف العلاقات التجارية بين شمال أمريكا اللاتينية (المكسيك وأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي) والصين اختلافًا ملحوظًا مقارنة بجنوب المنطقة الذي يعتمد على السلع الأساسية. وفي حين استحوذت المكسيك سابقًا على فرص إعادة التوريد وتصدير السلع إلى الولايات المتحدة مع تحول بعض سلاسل التوريد خارج الصين، قضت جائحة فيروس كوفيد 19 على معظم تلك المكاسب، على الأقل بصورة مؤقتة.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

قد تكون اقتصادات أمريكا اللاتينية أيضًا عُرضة للآثار غير المباشرة للحروب التجارية. وعلى المستوى الكلي، تعد المنطقة من بين أشد المناطق تضررًا من الجائحة من الناحيتين البشرية والاقتصادية. تمثل أمريكا اللاتينية 8٪ فقط من سكان العالم، ومع ذلك فهي تمثل باستمرار 30٪ من الوفيات المُرتبطة بفيروس كورونا المُستجد، وفي عام 2020، عانت من أعمق انكماش اقتصادي في أي منطقة نامية. قد يُشكل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشكل مُستمر ضغطًا نزوليًا إضافيًا على الانتعاش العالمي والإقليمي غير المؤكد بالفعل.

وعلى الصعيد الجزئي، تسببت التعريفات الانتقامية والنزعة الحمائية المتزايدة الناجمة عن الحرب التجارية في إلحاق أضرار جانبية بشركات أمريكا اللاتينية. وفي عام 2019، على سبيل المثال، تفاجأ مُصدرو المكسرات التشيليون إثر قرار الحكومة الهندية بزيادة التعريفات الجمركية للدولة الأولى بالرعاية على المكسرات ردًا على التعريفات الأمريكية الثنائية على واردات الصلب من الهند. أثر هذا القرار على شحنة تشيلية من المكسرات كانت بالفعل مُحملة على سفينة في طريقها إلى الهند.

ومع مواجهة أمريكا اللاتينية لبيئة دولية قد تكون غير داعمة، وذلك بسبب حالات الانتعاش المتباينة بعد نهاية الجائحة والخلافات التجارية المُستمرة بين الولايات المتحدة والصين، يجب على صناع السياسات السعي إلى تحقيق ثلاث أولويات.

أولاً، يتعين على بلدان أمريكا اللاتينية أن تظل يقظة وأن تتعامل بحذر مع التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن قضايا تتراوح بين التجارة والاستثمار وبين تكنولوجيا الجيل الخامس ولقاحات فيروس كوفيد 19. في الواقع، تُعاني المنطقة من انقسام شديد، لاسيما بين الشمال والجنوب، لذلك، فإن القاعدة الأساسية الوحيدة للاختيار بين الولايات المتحدة والصين (والتي يعتبرها الكثيرون انقسامًا زائفًا) يجب أن تتماشى مع الأهداف والاستراتيجيات الإنمائية الوطنية.

ثانيًا، تحتاج أمريكا اللاتينية إلى تنويع صادراتها، بدءًا من المستوى القطري. إن تبني المزيد من الانفتاح التجاري على مستوى العالم وداخل المنطقة يقلل من الاعتماد على الأسواق الفردية، سواء كانت الولايات المتحدة أو الصين. وعلى الرغم من النزعة الحمائية الواسعة الانتشار (التي تفاقمت بفعل ضوابط التصدير الناجمة عن اندلاع الجائحة)، يمكن أن تلعب أمريكا اللاتينية دورًا بنّاءً في تعزيز التعاون التجاري الدولي. على سبيل المثال، تُعد تشيلي، التي أبرمت 30 اتفاقية تجارية مع أكثر من 65 دولة، داعمة ومناصرة إقليمية وعالمية للتجارة الحرة.

وأخيرًا، يجب أن تستكشف المنطقة طرقًا فعالة لتعزيز قدرتها التنافسية الطويلة الأجل في مجال التصدير. سيكون خفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية (بما في ذلك من خلال البنية التحتية والتحسينات التنظيمية) واغتنام الفرص التي أتاحتها الثورة الصناعية الرابعة أمرًا حاسمًا في خفض تكاليف التصدير. لن تساعد التدابير الفعالة لتعزيز وتسهيل التجارة على التخفيف من آثار تداعيات الحرب التجارية فحسب، بل ستدعم أيضًا تنويع الصادرات وتنميتها. يتعين على الحكومات إكمال هذه التدابير من خلال تنفيذ سياسات محلية داعمة لضمان الفوائد التوزيعية للتجارة.

من غير المرجح أن تتلاشى التوترات بين الولايات المتحدة والصين في أي وقت قريب، ولن تتمكن أمريكا اللاتينية من عزل نفسها تمامًا عن التداعيات. ومع ذلك، من خلال تبني الدروس المستفادة من السنوات الثلاث الماضية، يمكن للحكومات والشركات في المنطقة وضع نفسها بشكل أفضل للنجاح على مدى السنوات الثلاث المقبلة وما بعدها.

https://prosyn.org/7R5spYaar