نيويورك ــ بالتزامن مع الزيارة التي من المقرر أن يقوم بها دونالد ترمب إلى أوروبا مرة أخرى لحضور قمة مجموعة السبع في وقت لاحق من هذا الشهر، نفدت الخيارات المتاحة لقادة أوروبا في التعامل مع الرئيس الأميركي. فقد حاولوا افتتانه بجاذبية سحرهم، أو إقناعه، أو تجاهله، أو الاتفاق على عدم الاتفاق معه. ومع ذلك، كان حقد ترمب وضغينته بلا قرار أو حد. وعلى هذا فإن البديل الوحيد يتلخص في معارضته.
تتمثل القضية الأكثر إلحاحا في التجارة الأوروبية مع إيران. وهي ليست مسألة ضئيلة الأهمية، بل هي معركة لا تملك أوروبا ترف خسارتها.
الواقع أن ترمب قادر على إحداث ضرر عظيم دون إحساس بأي وخز ضمير، وهو الآن يفعل ذلك من خلال وسائل اقتصادية ويهدد باللجوء إلى العمل العسكري. وهو يستعين بقوى اقتصادية ومالية طارئة تهدف إلى دفع إيران وفنزويلا إلى الانهيار الاقتصادي. كما يحاول إبطاء أو وقف نمو الصين عن طريق إغلاق الأسواق الأميركية أمام الصادرات الصينية، وتقييد بيع التكنولوجيات الأميركية للشركات الصينية، وإعلان الصين دولة متلاعبة بالعملة.
من الأهمية بمكان أن نرى هذه التدابير على حقيقتها: فهي قرارات شخصية صادرة عن شخص عاجز عن ضبط النفس، وليست نتيجة لإجراء تشريعي أو أي شكل من أشكال المداولات العامة. من اللافت للنظر أن الولايات المتحدة، بعد 230 عاما من تبنيها لدستورها، تعاني الآن من حكم الرجل الواحد. فقد طهر ترمب إدارته من أي شخص يتمتع بمكانة مستقلة، مثل وزير الدفاع السابق، الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، وقِلة من الجمهوريين من أعضاء الكونجرس الذين لم يتورعوا عن التفوه بكلمة ضد زعيمهم.
الواقع أن ترمب يُصَوَّر بالخطأ على نطاق واسع على أنه سياسي هازئ يناور من أجل انتزاع سلطة شخصية ومكاسب مالية. غير أن الوضع أخطر من ذلك كثيرا. إن ترمب رجل مختل عقليا: فهو مصاب بجنون العظمة، وجنون الشك والاضطهاد، وهو أيضا شخص سيكوباتي (معتل نفسيا). وهذا ليس على سبيل السباب أو الإهانة. فمن الواضح أن حالة ترمب العقلية تجعله عاجزا عن الوفاء بالوعود، أو السيطرة على مشاعره العدائية، أو التحكم في تصرفاته. والسلوك الواجب حياله هو معارضته وليس استرضائه.
حتى عندما يتراجع ترمب فإن ضغينته تظل مستعرة. فعندما التقى الرئيس الصيني شي جين بينج وجها لوجه في إطار قمة مجموعة العشرين في يونيو/حزيران، أعلن ترمب الهدنة في "حربه التجارية" مع الصين. ولكن بعد بضعة أسابيع، أعلن ترمب عن تعريفات جديدة. كان ترمب عاجزا عن الوفاء بكلمته إلى النهاية، على الرغم من اعتراضات مستشاريه. ومؤخرا، أجبره هبوط حاد في الأسواق العالمية على التراجع مؤقتا. لكن عداوته للصين سوف تستمر؛ وسوف تظل تصرفاته المتطرفة غير المنضبطة في التعامل مع الصين تهدد على نحو متزايد اقتصاد أوروبا وأمنها.
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
يحاول ترمب بنشاط ترويض أي دولة ترفض الخضوع لمطالبه. والشعب الأميركي ليس متعجرفا ومتطرفا إلى هذا الحد، لكن بعض مستشاري ترمب متعجرفون ومتطرفون بكل تأكيد. على سبيل المثال، يشكل كل من مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو صورة مصغرة لنهج متغطرس بشكل متفرد في التعامل مع العالم، والذي تعمل الأصولية الدينية على تضخيمه في حالة بومبيو.
قام بولتن مؤخرا بزيارة إلى لندن لتشجيع رئيس وزراء المملكة المتحدة الجديد بوريس جونسون وتقوية عزمه على مغادرة الاتحاد الأوروبي مع أو بدون صفقة خروج. الواقع أن ترمب وبولتون لا يباليان على الإطلاق بالمملكة المتحدة، لكنهما يتمنيان بكل حماس فشل الاتحاد الأوروبي. ولهذا فإن أي عدو للاتحاد الأوروبي ــ مثل جونسون، وماتيو سالفيني في إيطاليا، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ــ يُعَد صديقا لترمب وبولتون وبومبيو.
يحرص ترمب أيضا على إسقاط النظام الإيراني، مستغلا المشاعر المناهضة لإيران والتي ترجع إلى ثورة 1979 وذكرى احتجاز أميركيين رهائن في طهران التي لا تزال حية في ضمير الرأي العام الأميركي. ويعمل قادة إسرائيليون وسعوديون غير مسؤولين يبغضون قادة إيران لأسباب شخصية على إذكاء نيران عداوة ترمب. لكنها أيضا مسألة شخصية للغاية بالنسبة لترمب، الذي يعتبر رفض قادة إيران الانصياع لمطالبه سببا كافيا لمحاولة الإطاحة بهم.
لا شك أن الأوروبيين يعلمون عواقب السذاجة الأميركية في الشرق الأوسط. إذ كانت أزمة الهجرة في أوروبا راجعة في المقام الأول إلى الحروب التي قادتها الولايات المتحدة في المنطقة: حرب جورج دبليو بوش ضد أفغانستان والعراق، وحرب باراك أوباما ضد ليبيا وسوريا. لقد تصرفت الولايات المتحدة بنزق وطيش في ما يتصل بهذه الأحداث، ودفعت أوروبا الثمن (وإن كانت شعوب الشرق الأوسط دفعت ثمنا أعلى كثيرا بطبيعة الحال).
الآن، تهدد الحرب الاقتصادية التي يشنها ترمب ضد إيران بالتسبب في اندلاع صراع أكبر. فهو تحت أنظار العالم، يحاول خنق الاقتصاد الإيراني بقطع إيراداته من النقد الأجنبي من خلال فرض العقوبات على أي شركة، أميركية أو غير ذلك، تزاول أي أعمال مع إيران. وترقى مثل هذه العقوبات إلى مرتبة الحرب، في انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة. ولأنها موجهة بشكل مباشر إلى السكان المدنيين، فإنها تشكل، أو على الأقل يجب أن تشكل، جريمة حرب ضد الإنسانية. (يلاحق ترمب في الأساس ذات الاستراتيجية ضد حكومة فنزويلا وشعبها).
اعترضت أوروبا مرارا وتكرارا على العقوبات الأميركية، التي فرضت بقرار أحادي، وخارج نطاق التشريع، وبما يتعارض مع مصالح أوروبا الأمنية، بل إنها تتعارض بشكل صريح أيضا مع الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، الذي أقره بالإجماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومع ذلك، أبدى قادة أوروبا الخوف من الطعن في هذه العقوبات بشكل مباشر وصريح.
لا ينبغي لهم أن يظلوا على موقفهم هذا. فأوروبا قادرة على مواجهة التهديدات المتمثلة في العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة خارج نطاق التشريع، بالشراكة مع الصين، والهند، وروسيا. ومن الممكن بسهولة إتمام المعاملات التجارية مع إيران باستخدام عملات اليورو، والرنمينبي، والروبية، والروبل، لتجنب البنوك الأميركية. ومن الممكن أيضا تنفيذ فكرة مقايضة النفط في مقابل السلع من خلال آلية مقاصة باليورو مثل INSTEX (آلية دعم التبادل التجاري).
الواقع أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة خارج نطاق التشريع لا تشكل تهديدا حقيقيا طويل الأجل. فإذا كانت الولايات المتحدة عازمة على تنفيذ هذه العقوبات ضد أغلب بقية العالم، فإن الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد الأميركي، والدولار، وسوق الأوراق المالية، وزعامة الولايات المتحدة، لن يكون قابلا للإصلاح. وعلى هذا فإن التهديد المتمثل في العقوبات من المرجح أن يظل مجرد تهديد. فحتى لو تحركت الولايات المتحدة لفرض العقوبات على الشركات الأوروبية، فمن الممكن أن يتحداها الاتحاد الأوروبي، والصين، والهند، وروسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي سيعارض السياسات الأميركية بهامش عريض. وإذا كان للولايات المتحدة أن تستخدم حق النقض ضد صدور قرار من قِبَل مجلس الأمن يعارض العقوبات، فبإمكان الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تتولى الأمر بموجب إجراءات "الاتحاد من أجل السلام". وسوف تشجب الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (193 دولة) تطبيق العقوبات خارج نطاق التشريع.
إن زعماء أوروبا يعرضون أمن أوروبا والعالم للخطر بالإذعان لصخب ترمب وتهديداته الموجهة إلى إيران، وفنزويلا، والصين، وغيرها. ويتعين عليهم أن يدركوا أن أغلبية كبيرة من الأميركيين يعارضون أيضا نرجسية ترمب الخبيثة وسلوكه المختل نفسيا، والذي أطلق العنان لعدوى إطلاق النار على حشود وغير ذلك من جرائم الكراهية في الولايات المتحدة. ومن خلال معارضة ترمب والدفاع عن سيادة القانون الدولي، بما في ذلك التجارة الدولية القائمة على القواعد، يصبح بوسع الأوروبيين والأميركيين معا تعزيز السلام العالمي والصداقة عبر ضفتي الأطلسي لأجيال قادمة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
Despite being a criminal, a charlatan, and an aspiring dictator, Donald Trump has won not only the Electoral College, but also the popular vote – a feat he did not achieve in 2016 or 2020. A nihilistic voter base, profit-hungry business leaders, and craven Republican politicians are to blame.
points the finger at a nihilistic voter base, profit-hungry business leaders, and craven Republican politicians.
Shell-shocked Europeans will be tempted to hunker down and hope that Donald Trump does not make good on his most extreme threats, like sweeping import tariffs and quitting NATO. But this would be a catastrophic mistake; Europeans must swallow their pride and try to capitalize on Trump’s craving for admiration.
outlines a strategy for EU leaders to win over the next US president and mitigate the threat he represents.
Anders Åslund
considers what the US presidential election will mean for Ukraine, says that only a humiliating loss in the war could threaten Vladimir Putin’s position, urges the EU to take additional steps to ensure a rapid and successful Ukrainian accession, and more.
Log in/Register
Please log in or register to continue. Registration is free and requires only your email address.
نيويورك ــ بالتزامن مع الزيارة التي من المقرر أن يقوم بها دونالد ترمب إلى أوروبا مرة أخرى لحضور قمة مجموعة السبع في وقت لاحق من هذا الشهر، نفدت الخيارات المتاحة لقادة أوروبا في التعامل مع الرئيس الأميركي. فقد حاولوا افتتانه بجاذبية سحرهم، أو إقناعه، أو تجاهله، أو الاتفاق على عدم الاتفاق معه. ومع ذلك، كان حقد ترمب وضغينته بلا قرار أو حد. وعلى هذا فإن البديل الوحيد يتلخص في معارضته.
تتمثل القضية الأكثر إلحاحا في التجارة الأوروبية مع إيران. وهي ليست مسألة ضئيلة الأهمية، بل هي معركة لا تملك أوروبا ترف خسارتها.
الواقع أن ترمب قادر على إحداث ضرر عظيم دون إحساس بأي وخز ضمير، وهو الآن يفعل ذلك من خلال وسائل اقتصادية ويهدد باللجوء إلى العمل العسكري. وهو يستعين بقوى اقتصادية ومالية طارئة تهدف إلى دفع إيران وفنزويلا إلى الانهيار الاقتصادي. كما يحاول إبطاء أو وقف نمو الصين عن طريق إغلاق الأسواق الأميركية أمام الصادرات الصينية، وتقييد بيع التكنولوجيات الأميركية للشركات الصينية، وإعلان الصين دولة متلاعبة بالعملة.
من الأهمية بمكان أن نرى هذه التدابير على حقيقتها: فهي قرارات شخصية صادرة عن شخص عاجز عن ضبط النفس، وليست نتيجة لإجراء تشريعي أو أي شكل من أشكال المداولات العامة. من اللافت للنظر أن الولايات المتحدة، بعد 230 عاما من تبنيها لدستورها، تعاني الآن من حكم الرجل الواحد. فقد طهر ترمب إدارته من أي شخص يتمتع بمكانة مستقلة، مثل وزير الدفاع السابق، الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، وقِلة من الجمهوريين من أعضاء الكونجرس الذين لم يتورعوا عن التفوه بكلمة ضد زعيمهم.
الواقع أن ترمب يُصَوَّر بالخطأ على نطاق واسع على أنه سياسي هازئ يناور من أجل انتزاع سلطة شخصية ومكاسب مالية. غير أن الوضع أخطر من ذلك كثيرا. إن ترمب رجل مختل عقليا: فهو مصاب بجنون العظمة، وجنون الشك والاضطهاد، وهو أيضا شخص سيكوباتي (معتل نفسيا). وهذا ليس على سبيل السباب أو الإهانة. فمن الواضح أن حالة ترمب العقلية تجعله عاجزا عن الوفاء بالوعود، أو السيطرة على مشاعره العدائية، أو التحكم في تصرفاته. والسلوك الواجب حياله هو معارضته وليس استرضائه.
حتى عندما يتراجع ترمب فإن ضغينته تظل مستعرة. فعندما التقى الرئيس الصيني شي جين بينج وجها لوجه في إطار قمة مجموعة العشرين في يونيو/حزيران، أعلن ترمب الهدنة في "حربه التجارية" مع الصين. ولكن بعد بضعة أسابيع، أعلن ترمب عن تعريفات جديدة. كان ترمب عاجزا عن الوفاء بكلمته إلى النهاية، على الرغم من اعتراضات مستشاريه. ومؤخرا، أجبره هبوط حاد في الأسواق العالمية على التراجع مؤقتا. لكن عداوته للصين سوف تستمر؛ وسوف تظل تصرفاته المتطرفة غير المنضبطة في التعامل مع الصين تهدد على نحو متزايد اقتصاد أوروبا وأمنها.
Introductory Offer: Save 30% on PS Digital
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
يحاول ترمب بنشاط ترويض أي دولة ترفض الخضوع لمطالبه. والشعب الأميركي ليس متعجرفا ومتطرفا إلى هذا الحد، لكن بعض مستشاري ترمب متعجرفون ومتطرفون بكل تأكيد. على سبيل المثال، يشكل كل من مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو صورة مصغرة لنهج متغطرس بشكل متفرد في التعامل مع العالم، والذي تعمل الأصولية الدينية على تضخيمه في حالة بومبيو.
قام بولتن مؤخرا بزيارة إلى لندن لتشجيع رئيس وزراء المملكة المتحدة الجديد بوريس جونسون وتقوية عزمه على مغادرة الاتحاد الأوروبي مع أو بدون صفقة خروج. الواقع أن ترمب وبولتون لا يباليان على الإطلاق بالمملكة المتحدة، لكنهما يتمنيان بكل حماس فشل الاتحاد الأوروبي. ولهذا فإن أي عدو للاتحاد الأوروبي ــ مثل جونسون، وماتيو سالفيني في إيطاليا، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ــ يُعَد صديقا لترمب وبولتون وبومبيو.
يحرص ترمب أيضا على إسقاط النظام الإيراني، مستغلا المشاعر المناهضة لإيران والتي ترجع إلى ثورة 1979 وذكرى احتجاز أميركيين رهائن في طهران التي لا تزال حية في ضمير الرأي العام الأميركي. ويعمل قادة إسرائيليون وسعوديون غير مسؤولين يبغضون قادة إيران لأسباب شخصية على إذكاء نيران عداوة ترمب. لكنها أيضا مسألة شخصية للغاية بالنسبة لترمب، الذي يعتبر رفض قادة إيران الانصياع لمطالبه سببا كافيا لمحاولة الإطاحة بهم.
لا شك أن الأوروبيين يعلمون عواقب السذاجة الأميركية في الشرق الأوسط. إذ كانت أزمة الهجرة في أوروبا راجعة في المقام الأول إلى الحروب التي قادتها الولايات المتحدة في المنطقة: حرب جورج دبليو بوش ضد أفغانستان والعراق، وحرب باراك أوباما ضد ليبيا وسوريا. لقد تصرفت الولايات المتحدة بنزق وطيش في ما يتصل بهذه الأحداث، ودفعت أوروبا الثمن (وإن كانت شعوب الشرق الأوسط دفعت ثمنا أعلى كثيرا بطبيعة الحال).
الآن، تهدد الحرب الاقتصادية التي يشنها ترمب ضد إيران بالتسبب في اندلاع صراع أكبر. فهو تحت أنظار العالم، يحاول خنق الاقتصاد الإيراني بقطع إيراداته من النقد الأجنبي من خلال فرض العقوبات على أي شركة، أميركية أو غير ذلك، تزاول أي أعمال مع إيران. وترقى مثل هذه العقوبات إلى مرتبة الحرب، في انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة. ولأنها موجهة بشكل مباشر إلى السكان المدنيين، فإنها تشكل، أو على الأقل يجب أن تشكل، جريمة حرب ضد الإنسانية. (يلاحق ترمب في الأساس ذات الاستراتيجية ضد حكومة فنزويلا وشعبها).
اعترضت أوروبا مرارا وتكرارا على العقوبات الأميركية، التي فرضت بقرار أحادي، وخارج نطاق التشريع، وبما يتعارض مع مصالح أوروبا الأمنية، بل إنها تتعارض بشكل صريح أيضا مع الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، الذي أقره بالإجماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومع ذلك، أبدى قادة أوروبا الخوف من الطعن في هذه العقوبات بشكل مباشر وصريح.
لا ينبغي لهم أن يظلوا على موقفهم هذا. فأوروبا قادرة على مواجهة التهديدات المتمثلة في العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة خارج نطاق التشريع، بالشراكة مع الصين، والهند، وروسيا. ومن الممكن بسهولة إتمام المعاملات التجارية مع إيران باستخدام عملات اليورو، والرنمينبي، والروبية، والروبل، لتجنب البنوك الأميركية. ومن الممكن أيضا تنفيذ فكرة مقايضة النفط في مقابل السلع من خلال آلية مقاصة باليورو مثل INSTEX (آلية دعم التبادل التجاري).
الواقع أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة خارج نطاق التشريع لا تشكل تهديدا حقيقيا طويل الأجل. فإذا كانت الولايات المتحدة عازمة على تنفيذ هذه العقوبات ضد أغلب بقية العالم، فإن الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد الأميركي، والدولار، وسوق الأوراق المالية، وزعامة الولايات المتحدة، لن يكون قابلا للإصلاح. وعلى هذا فإن التهديد المتمثل في العقوبات من المرجح أن يظل مجرد تهديد. فحتى لو تحركت الولايات المتحدة لفرض العقوبات على الشركات الأوروبية، فمن الممكن أن يتحداها الاتحاد الأوروبي، والصين، والهند، وروسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي سيعارض السياسات الأميركية بهامش عريض. وإذا كان للولايات المتحدة أن تستخدم حق النقض ضد صدور قرار من قِبَل مجلس الأمن يعارض العقوبات، فبإمكان الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تتولى الأمر بموجب إجراءات "الاتحاد من أجل السلام". وسوف تشجب الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (193 دولة) تطبيق العقوبات خارج نطاق التشريع.
إن زعماء أوروبا يعرضون أمن أوروبا والعالم للخطر بالإذعان لصخب ترمب وتهديداته الموجهة إلى إيران، وفنزويلا، والصين، وغيرها. ويتعين عليهم أن يدركوا أن أغلبية كبيرة من الأميركيين يعارضون أيضا نرجسية ترمب الخبيثة وسلوكه المختل نفسيا، والذي أطلق العنان لعدوى إطلاق النار على حشود وغير ذلك من جرائم الكراهية في الولايات المتحدة. ومن خلال معارضة ترمب والدفاع عن سيادة القانون الدولي، بما في ذلك التجارة الدولية القائمة على القواعد، يصبح بوسع الأوروبيين والأميركيين معا تعزيز السلام العالمي والصداقة عبر ضفتي الأطلسي لأجيال قادمة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali