أمستردام ــ في الآونة الأخيرة، دارت مجادلات كثيرة حول التجربة النفسية التي أجراها موقع فيس بوك على ما يقرب من 700 ألف من مستخدميه. فمن أجل قياس مدى تأثر مزاج مستخدمي الفيس بوك بـ"موجز الأنباء" الجديد، نفذت الشركة بشكل مؤقت خوارزمية جديدة لعرض رسائل أكثر إيجابية بعض الشيء على بعض المستخدمين، وأكثر كآبة بعض الشيء على بعضهم الآخر. وكما تبين فإن مشاركات الناس المنشورة تحولت لكي تعكس طابع مشاركات أصدقائهم.
ولكن هذه الجلبة غفلت عن بعض التساؤلات الأكثر إثارة للاهتمام، فركزت (كالمعتاد) على صَمَم النغمات (المعتاد) على الفيس بوك. ولم يُبد أحد أي اهتمام بالسؤال الواضح حول ما إذا كانت النتائج تعكس تحولاً حقيقياً في المزاج، أو مجرد رغبة ــ واعية أو غير واعية ــ لمجاراة الآخرين.
إن ما أثار غضب الناس هو فكرة استغلال موقع فيس بوك لمستخدميه بغير علمهم من أجل تعزيز أجنده خاصة، وقد استشهد كثيرون بالسرية المحيطة بالبحث لإثبات سوء سلوك الشركة (ولو أن الشركة نشرت النتائج بلا شعور واضح بالانزعاج أو عدم الارتياح). ولكن برغم أن افتقار الفيس بوك إلى الشفافية أمر محبط ومقلق بكل تأكيد ــ تماماً مثل عدم اكتراثه على الإطلاق بمخاوف مستخدميه ــ فإن مثل هذه الشكاوى لا تصيب بيت القصيد.
بطبيعة الحال، تستغل شركة فيس بوك مستخدميها ــ تماماً كثمل كل الشركات التي تستخدم الدعاية والإعلان لحث المستهلكين على التشوق إلى استهلاك منتج غذائي، أو رداء مثير جنسيا. وسواء فعلت الشركات هذا من خلال إعلانات موجهة استناداً إلى تاريخ البحث على محركات البحث أو اللوحات الإعلانية على الطرق العامة، فإن النتيجة (المقصودة) هي ذاتها دائما.
ولعل هذا كان ليشكل حدثاً إخبارياً كبيراً قبل قرن من الزمان، ولكنه اليوم خبر بسيط وممل. ومع هذا فلا يزال الناس يتفاعلون مع الكشف الصريح عن مثل حالات التلاعب والاستغلال هذه بالصدمة والغضب.
غير أن المشكلة الأكبر تكمن في مفارقة الاختيار الحديثة. فاليوم تُعرَض الخيارات على الناس بشكل دائم ــ كما يُعرَض عليهم أيضاً خيار تجنب كل هذه الخيارات، تحت ستار السرعة أو الراحة.
Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025
Our annual flagship magazine, PS Quarterly: The Year Ahead 2025, has arrived. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Digital Plus now.
Subscribe Now
ورغم أن سلطة اتخاذ المرء القرار بشأن خياراته الخاصة أمر جذاب من الناحية النظرية، فإن العدد الهائل من الخيارات المتاحة قد يكون مُرهقاً ومُربكا ــ وخاصة بسبب الضغوط المتمثلة في ضرورة اتخاذ الاختيار "الصحيح". وكما أشار باري شوارتز، فإن الاختيارات فرصة للندم. فعندما تتسبب قوة خارجة عن نطاق سيطرتنا في جعلنا تعساء فإننا على الأقل لا نشعر بالغضب من أنفسنا لأننا وضعنا أنفسنا في هذا الموقف أو ذاك.
وتتمثل الاستجابة المنطقية لهذا الضغط في تفويض بعض القرارات لآخرين. ولكن عندما نتذكر كيف يشكل آخرون حياتنا نشعر بالسخط الشديد ونصف هذا الأمر بأنه "مخيف" وانتهاك لإرادتنا الحرة. فالمستخدمون يسمحون لجوجل بفلترة طوفان من رسائل البريد الإلكتروني التي يتلقونها يوميا، ولكنهم يستشيطون غضباً عندما يحذف جوجل رسالة مهمة.
وعلى نحو مماثل، عندما يستجيب موقع فيس بوك للشكاوى من عجز مستخدميه عن متابعة كل مشاركات أصدقائهم، فإنه يطور خوارزمية معينة تعمل على إظهار رسائل البريد الإلكتروني الأكثر أهمية فقط. ولكن ما الذي يؤهل مشاركة من صديق ما كمشاركة "مهمة"؟ الآن يحاول موقع تويتر حل نفس المشكلة.
يقول البعض إن الخيارات التي يتيحها فيس بوك لمستخدميه قد تهدد صحتهم العقلية. ولكن كذلك قد يفعل مُـعَلِّم مثقل بالعمل في المرحلة الثانوية ولا يستطيع تكريس الطاقة اللازمة للطلاب المضطربين؛ والمجلات التي تروج لصور غير واقعية للجسم البشري؛ وخطب رجال الدين الذين يعتقدون أن الرب لا يغفر للجميع؛ أو حتى شخص غريب يتصرف بوقاحة في القطار. كل من هؤلاء الفاعلين لديه أفكاره ودوافعه الخاصة، وجميعهم يتلاعبون كل يوم بوجهات نظرنا ــ وحالتنا المزاجية ــ ويستغلونها.
بطبيعة الحال، في عالم الدعاية والإعلان يكون التلاعب والاستغلال علنيا. ولكن المسوقين يختبرون أيضاً وعلى نحو منتظم ردود فعل المستخدمين العاطفية إزاء جوانب أقل وضوحاً لمنتجاتهم. وهم يغرون المستهلكين بدفع المزيد من الأموال من خلال عرض خيارات مبالغ في تقييم تكلفتها حتى أن أي شيء أقل تكلفة يبدو معقولا.
عندما تقرأ فتاة أو سيدة عن فستان كيم كارداشيان الجديد فقد يجعلها هذا تشعر بالرغبة في شراء ذلك الفستان، ولكن هل يجعلها أيضاً تشعر بأنها دميمة؟ وإذا كنت رجل أعمال في مجال التكنولوجيا، فقد تطمح إلى اكتساب مكانة كمكانة مارك أندرسن، ولكن القراءة عنه قد تجعلك أيضاً تشعر بأنك غير مؤهل أو ناقص، وخاصة لو كنت أنثى.
وقد أثار فيس بوك عن غير قصد قضية الاستغلال العاطفي هذه والعواقب غير المقصودة التي قد تترتب عليها بشكل غير مباشر وفي سياق بعينه، من خلال التزام التكتم والسرية بشأن بحثها وعدم إعطاء الناس الفرصة لاختيار عدم المشاركة مسبقا. (والآن، أظن هذا كان ليصبح اختياراً ذكيا!).
ولكن في نهاية المطاف، لا توجد مشكلة تنتظر الحل ــ أو حتى قضية تهم شركة فيس بوك بشكل خاص. فما نشهده الآن يُعَد تحسناً جوهرياً في قدرتنا على اكتشاف التأثيرات القصيرة والطويلة الأجل المترتبة على أفعالنا وأفعال الآخرين. (الانحباس الحراري العالمي على سبيل المثال). ومع تحسن قدرتنا على قياس الأمور واستكشاف التأثير الذي قد يخلفه أي تغيير ــ باختصار، مع تقدمنا في إدارة البحوث التجريبية ــ ينبغي لنا أن نفكر في المسؤولية المترتبة على المعرفة التي نكتسبها.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
Though Donald Trump attracted more support than ever from working-class voters in the 2024 US presidential election, he has long embraced an agenda that benefits the wealthiest Americans above all. During his second term, however, Trump seems committed not just to serving America’s ultra-rich, but to letting them wield state power themselves.
The reputation of China's longest-serving premier has fared far better than that of the Maoist regime he faithfully served. Zhou's political survival skills enabled him to survive many purges, and even to steer Mao away from potential disasters, but he could not escape the Chairman's cruelty, even at the end of his life.
reflects on the complicated life and legacy of the renowned diplomat who was Mao Zedong’s dutiful lieutenant.
أمستردام ــ في الآونة الأخيرة، دارت مجادلات كثيرة حول التجربة النفسية التي أجراها موقع فيس بوك على ما يقرب من 700 ألف من مستخدميه. فمن أجل قياس مدى تأثر مزاج مستخدمي الفيس بوك بـ"موجز الأنباء" الجديد، نفذت الشركة بشكل مؤقت خوارزمية جديدة لعرض رسائل أكثر إيجابية بعض الشيء على بعض المستخدمين، وأكثر كآبة بعض الشيء على بعضهم الآخر. وكما تبين فإن مشاركات الناس المنشورة تحولت لكي تعكس طابع مشاركات أصدقائهم.
ولكن هذه الجلبة غفلت عن بعض التساؤلات الأكثر إثارة للاهتمام، فركزت (كالمعتاد) على صَمَم النغمات (المعتاد) على الفيس بوك. ولم يُبد أحد أي اهتمام بالسؤال الواضح حول ما إذا كانت النتائج تعكس تحولاً حقيقياً في المزاج، أو مجرد رغبة ــ واعية أو غير واعية ــ لمجاراة الآخرين.
إن ما أثار غضب الناس هو فكرة استغلال موقع فيس بوك لمستخدميه بغير علمهم من أجل تعزيز أجنده خاصة، وقد استشهد كثيرون بالسرية المحيطة بالبحث لإثبات سوء سلوك الشركة (ولو أن الشركة نشرت النتائج بلا شعور واضح بالانزعاج أو عدم الارتياح). ولكن برغم أن افتقار الفيس بوك إلى الشفافية أمر محبط ومقلق بكل تأكيد ــ تماماً مثل عدم اكتراثه على الإطلاق بمخاوف مستخدميه ــ فإن مثل هذه الشكاوى لا تصيب بيت القصيد.
بطبيعة الحال، تستغل شركة فيس بوك مستخدميها ــ تماماً كثمل كل الشركات التي تستخدم الدعاية والإعلان لحث المستهلكين على التشوق إلى استهلاك منتج غذائي، أو رداء مثير جنسيا. وسواء فعلت الشركات هذا من خلال إعلانات موجهة استناداً إلى تاريخ البحث على محركات البحث أو اللوحات الإعلانية على الطرق العامة، فإن النتيجة (المقصودة) هي ذاتها دائما.
ولعل هذا كان ليشكل حدثاً إخبارياً كبيراً قبل قرن من الزمان، ولكنه اليوم خبر بسيط وممل. ومع هذا فلا يزال الناس يتفاعلون مع الكشف الصريح عن مثل حالات التلاعب والاستغلال هذه بالصدمة والغضب.
غير أن المشكلة الأكبر تكمن في مفارقة الاختيار الحديثة. فاليوم تُعرَض الخيارات على الناس بشكل دائم ــ كما يُعرَض عليهم أيضاً خيار تجنب كل هذه الخيارات، تحت ستار السرعة أو الراحة.
Secure your copy of PS Quarterly: The Year Ahead 2025
Our annual flagship magazine, PS Quarterly: The Year Ahead 2025, has arrived. To gain digital access to all of the magazine’s content, and receive your print copy, subscribe to PS Digital Plus now.
Subscribe Now
ورغم أن سلطة اتخاذ المرء القرار بشأن خياراته الخاصة أمر جذاب من الناحية النظرية، فإن العدد الهائل من الخيارات المتاحة قد يكون مُرهقاً ومُربكا ــ وخاصة بسبب الضغوط المتمثلة في ضرورة اتخاذ الاختيار "الصحيح". وكما أشار باري شوارتز، فإن الاختيارات فرصة للندم. فعندما تتسبب قوة خارجة عن نطاق سيطرتنا في جعلنا تعساء فإننا على الأقل لا نشعر بالغضب من أنفسنا لأننا وضعنا أنفسنا في هذا الموقف أو ذاك.
وتتمثل الاستجابة المنطقية لهذا الضغط في تفويض بعض القرارات لآخرين. ولكن عندما نتذكر كيف يشكل آخرون حياتنا نشعر بالسخط الشديد ونصف هذا الأمر بأنه "مخيف" وانتهاك لإرادتنا الحرة. فالمستخدمون يسمحون لجوجل بفلترة طوفان من رسائل البريد الإلكتروني التي يتلقونها يوميا، ولكنهم يستشيطون غضباً عندما يحذف جوجل رسالة مهمة.
وعلى نحو مماثل، عندما يستجيب موقع فيس بوك للشكاوى من عجز مستخدميه عن متابعة كل مشاركات أصدقائهم، فإنه يطور خوارزمية معينة تعمل على إظهار رسائل البريد الإلكتروني الأكثر أهمية فقط. ولكن ما الذي يؤهل مشاركة من صديق ما كمشاركة "مهمة"؟ الآن يحاول موقع تويتر حل نفس المشكلة.
يقول البعض إن الخيارات التي يتيحها فيس بوك لمستخدميه قد تهدد صحتهم العقلية. ولكن كذلك قد يفعل مُـعَلِّم مثقل بالعمل في المرحلة الثانوية ولا يستطيع تكريس الطاقة اللازمة للطلاب المضطربين؛ والمجلات التي تروج لصور غير واقعية للجسم البشري؛ وخطب رجال الدين الذين يعتقدون أن الرب لا يغفر للجميع؛ أو حتى شخص غريب يتصرف بوقاحة في القطار. كل من هؤلاء الفاعلين لديه أفكاره ودوافعه الخاصة، وجميعهم يتلاعبون كل يوم بوجهات نظرنا ــ وحالتنا المزاجية ــ ويستغلونها.
بطبيعة الحال، في عالم الدعاية والإعلان يكون التلاعب والاستغلال علنيا. ولكن المسوقين يختبرون أيضاً وعلى نحو منتظم ردود فعل المستخدمين العاطفية إزاء جوانب أقل وضوحاً لمنتجاتهم. وهم يغرون المستهلكين بدفع المزيد من الأموال من خلال عرض خيارات مبالغ في تقييم تكلفتها حتى أن أي شيء أقل تكلفة يبدو معقولا.
عندما تقرأ فتاة أو سيدة عن فستان كيم كارداشيان الجديد فقد يجعلها هذا تشعر بالرغبة في شراء ذلك الفستان، ولكن هل يجعلها أيضاً تشعر بأنها دميمة؟ وإذا كنت رجل أعمال في مجال التكنولوجيا، فقد تطمح إلى اكتساب مكانة كمكانة مارك أندرسن، ولكن القراءة عنه قد تجعلك أيضاً تشعر بأنك غير مؤهل أو ناقص، وخاصة لو كنت أنثى.
وقد أثار فيس بوك عن غير قصد قضية الاستغلال العاطفي هذه والعواقب غير المقصودة التي قد تترتب عليها بشكل غير مباشر وفي سياق بعينه، من خلال التزام التكتم والسرية بشأن بحثها وعدم إعطاء الناس الفرصة لاختيار عدم المشاركة مسبقا. (والآن، أظن هذا كان ليصبح اختياراً ذكيا!).
ولكن في نهاية المطاف، لا توجد مشكلة تنتظر الحل ــ أو حتى قضية تهم شركة فيس بوك بشكل خاص. فما نشهده الآن يُعَد تحسناً جوهرياً في قدرتنا على اكتشاف التأثيرات القصيرة والطويلة الأجل المترتبة على أفعالنا وأفعال الآخرين. (الانحباس الحراري العالمي على سبيل المثال). ومع تحسن قدرتنا على قياس الأمور واستكشاف التأثير الذي قد يخلفه أي تغيير ــ باختصار، مع تقدمنا في إدارة البحوث التجريبية ــ ينبغي لنا أن نفكر في المسؤولية المترتبة على المعرفة التي نكتسبها.
ترجمة: أمين علي Translated by: Amin Ali