nstern9_Robert NickelsbergGetty Images_coal Robert Nickelsberg/Getty Images

تقدير التكلفة الاجتماعية الحقيقية المترتبة على استهلاك الكربون

لندن/نيويورك ــ يستحق الرئيس الأميركي جو بايدن التهنئة لإلزام الولايات المتحدة بالعودة إلى الانضمام إلى الجهود العالمية الرامية إلى مكافحة تغير المناخ. ولكن يجب أن تستجيب أميركا والعالم للتحدي بكفاءة. وهنا يُـعَـد الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن في العشرين من يناير/كانون الثاني بإنشاء مجموعة عمل مشتركة بين الهيئات المختلفة حول التكلفة الاجتماعية المترتبة على انبعاث غازات الانحباس الحراري الكوكبي خطوة مهمة بشكل خاص في هذا الاتجاه.

تتمثل مهمة المجموعة في ابتكار سبل أفضل لتقدير التكلفة التي يتحملها المجتمع (والكوكب) بالدولار عن كل طن من ثاني أكسيد الكربون أو غيره من غازات الانحباس الحراري الكوكبي التي تنبعث إلى الغلاف الجوي. يعطي الرقم، الذي يُـشار إليه باعتباره التكلفة الاجتماعية المترتبة على استهلاك الكربون، صناع السياسات والهيئات الحكومية أساسا لتقييم الفوائد المترتبة على المشاريع العامة والضوابط التنظيمية المصممة للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ــ أو أي مشروع أو تنظيم قد يؤثر بشكل غير مباشر على الانبعاثات.

إذا استقرت مجموعة العمل على رقم منخفض، فلن يُـسمَـح بتقدم العديد من المشاريع والضوابط التنظيمية إلى الأمام، لأن تكلفتها تتجاوز الفوائد المناخية المقدرة. لذا، من الأهمية بمكان أن يجري تقدير هذا الرقم على النحو الصحيح ــ ونعني بالصحيح هنا رقما أعلى مما كان عليه في الماضي.

في عموم الأمر، هناك طريقتان لتقدير هذه التكلفة. تتمثل إحداهما، والتي وظفتها إدارة الرئيس باراك أوباما، في محاولة تقدير الضرر الناجم عن انبعاث كل وحدة إضافية من الكربون في المستقبل بشكل مباشر.

من المؤسف أن تنفيذ هذا الأسلوب على النحو اللائق أمر بالغ الصعوبة. والطريقة التي نفذته بها إدارة أوباما كانت معيبة للغاية، مما أدى إلى تقدير منخفض للغاية للتكلفة الاجتماعية للكربون، عند 50 دولارا للطن بحلول عام 2030 (بقيمة الدولار في عام 2007). وعلى هذا، فحتى قبل أن يتولى دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة، كان العالم ــ والولايات المتحدة على وجه الخصوص ــ على مسار يقود إلى القيام بأقل القليل بشأن تغير المناخ.

كانت المشكلة متمثلة في استخدام إدارة أوباما لنماذج تقييم متكاملة، والتي كما يوحي الاسم تدمج الاقتصاد والعلوم البيئية لحساب مسار الاقتصاد والمناخ على مدار القرن التالي أو أكثر. إن دمج الاقتصاد والبيئة أمر منطقي تماما، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل. وقد أظهرت هذه النماذج أنها غير جديرة بالثقة، حيث تسببت في توليد نطاقات متباينة بشدة لتقديرات شديدة الحساسية لافتراضات بعينها.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

على سبيل المثال، تتمثل إحدى النتائج البارزة لنسخة شائعة من هذه النماذج في أننا يجب أن نتقبل زيادة في درجات الحرارة العالمية بمقدار 3.5 درجة مئوية نسبة إل مستويات ما قبل الصناعة. وهذا أعلى كثيرا من الحد الذي تبناه المجتمع الدولي في إطار اتفاقية باريس لعام 2015 بنحو 1.5 إلى 2 درجة مئوية. الواقع أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أَكَّـدَت أن المخاطر المرتبطة بالانحباس الحراري الكوكبي بمقدار درجتين مئويتين أعظم كثيرا من تلك التي قد تترتب على ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، وعلى هذا فمن الواضح أن المخاطر عند مستوى 3.5 درجة مئوية أعظم كثيرا.

تنتج زيادة الحرارة بمقدار 3.5 درجة مئوية عن افتراضات واردة في النموذج، بما في ذلك الإخفاق الخطير في التعامل بجدية مع المخاطر الشديدة التي يفرضها تغير المناخ غير الـمُـدار على بيئتنا وحياتنا واقتصادنا. علاوة على ذلك، لا تدرك نماذج التقييم المتكاملة بالقدر الكافي الدور المحتمل الذي قد يلعبه الابتكار والإبداع والعوائد المتزايدة المترتبة على إدارة العمل المناخي على نطاق كبير.

تتمثل مشكلة أخرى تعيب منهجية أوباما في أنها تضر بأجيال المستقبل. ويكمن قدر كبير من الفوائد المترتبة على الحد من الانبعاثات الآن في تجنب مخاطر تغير المناخ الجسيمة على مدى عقود في المستقبل. وهذا يعني أننا يجب أن نسأل أنفسنا إلى أي مدى نهتم بأبنائنا وأحفادنا. إذا كانت الإجابة "ليس كثيرا"، فلا حاجة بنا إذا إلى بذل الكثير من الجهد. ولكن إذا كنا نهتم بهم حقا، فلابد أن ينعكس هذا على النحو اللائق في حساباتنا.

من المنظور الرسمي، عالجت منهجية عصر أوباما هذه القضية من خلال وضع افتراضات حول حسابات التناقص، مما يظهر إلى أي حد ستتناقص قيمة الدولار في العام التالي (والذي يليه) مقارنة باليوم. استخدمت إدارة أوباما معدل تناقص سنوي قدره 3%، مما يعني أن توفير دولار واحد في خمسين عاما، يعني أننا على استعداد لإنفاق 22 سنتا فقط اليوم؛ ولتوفير دولار واحد في 100 عام، سنكون على استعداد لإنفاق أقل من خمسة سنتات.

لا يوجد مبرر أخلاقي لإعطاء وزن ضئيل لرفاهة الأجيال القادمة. ولكن لا يوجد حتى أي مبرر اقتصادي بمجرد أن نضع المخاطر في الحسبان.

في النهاية، نحن ندفع أقساط التأمين اليوم لتجنب الخسائر غدا ــ بعبارة أخرى، للتخفيف من المخاطر. على سبيل المثال، نحن ندفع عادة 1.20 دولارا لاستعادة دولار واحد في العام المقبل في المتوسط، لأن شركة التأمين تعطينا المال عندما نحتاج إليه ــ مثلما يحدث بعد حادث سيارة أو حريق في منزل. ومع الإنفاق الذي يقلل من مخاطر المستقبل، فإن معدل التناقص المناسب يكون منخفضا أو قد يكون سالبا، كما في هذا المثال، عندما يصبح من الممكن أن تنطوي التأثيرات المحتملة على دمار هائل.

إن إنفاق الأموال على العمل المناخي اليوم أشبه بشراء بوليصة تأمين، لأنه يقلل من مخاطر الكوارث المناخية في المستقبل. لذا، تترجم المخاطر إلى معدل تناقص أقل وسعر أعلى للكربون.

الآن بعد أن ألزمت إدارة بايدن نفسها بالهدف الدولي المتمثل في الحد من الانحباس الحراري الكوكبي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية إلى درجتين، ينبغي لها أن تتبنى طريقة ثانية أكثر جدارة بالثقة لحساب التكلفة الاجتماعية للكربون. إنه ببساطة السعر الذي سنتمكن عنده من تقليل الانبعاثات بالقدر الكافي لمنع ارتفاع درجات الحرارة العالمية بدرجة خطيرة.

هذا هو السعر الذي سيشجع الاستثمارات والابتكارات المنخفضة الكربون التي نحتاج إليها، ويساعد في جعل مدننا أقل ازدحاما وتلوثا. وسيكون من الضروري تبني سياسات تكميلية أخرى، بما في ذلك الاستثمارات والضوابط التنظيمية الحكومية. وكما أكدت اللجنة الدولية لتسعير الكربون التي شاركنا في رئاستها في تقريرها الصادر في عام 2017، فكلما كان نجاح هذه السياسات في الحد من الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون أكبر، كلما انخفض سعر الكربون في المستقبل. لكن التكلفة الاجتماعية المحتملة ستكون أقرب إلى 100 دولار لكل طنبحلول عام 2030، وليس 50 دولارا للطن طبقا لتقديرات إدارة أوباما (مع معدل تناقص مقداره 3%). الواقع أن التكلفة الاجتماعية عند الطرف الأعلى من نطاق 50 إلى 100 دولار الذي اقترحناه في عام 2017 مناسب تماما، خاصة وأن أهداف اتفاقية باريس أصبحت بحق أكثر طموحا ــ عند 1.5 درجة مئوية لزيادة الحرارة وصافي انبعاثات صِـفر بحلول عام 2050.

قد تبدو هذه الأمور وكأنها مسائل فنية من الأفضل تركها للخبراء. لكن عددا كبيرا للغاية من الخبراء لم يضعوا في الحسبان حجم المخاطر المناخية، ورفاهة أجيال المستقبل، وفرص العمل المناخي في ظل الحوافز المناسبة.

يتعين على إدارة بايدن أن تحدد سعرا أعلى بالقدر الكافي للتلوث الكربوني لتشجيع العمل على نطاق كبير وبما يتفق مع الضرورة الملحة من أجل الوفاء بالتعهدات التي بذلتها الإدارة للأميركيين وبقية العالم. إن مستقبل كوكبنا يعتمد على هذا.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/6rHRUafar