ito17_Wang Zhao-PoolGetty Images_shinzo abe Wang Zhao-Pool/Getty Images

آبي شينزو يخلف إرثا لا مثيل له

طوكيوـ إن اغتيال رئيس الوزراء الياباني الأسبق، آبي شينزو، حادث محزن بقدر ما هو مروع. فنادرا جدًا ما يحدث عنف مسلح في اليابان؛ ويتضح بالفعل أن شرطة "نارا" المحلية، وشرطة الأمن (جهاز المخابرات) لم تكن مستعدة بما يكفي لحمايته.

وبالنسبة لليابانيين من جيلي، فهذه المأساة تستحضر إلى الأذهان اغتيال الرئيس الأمريكي، جون إيف. كينيدي عام 1963، ومحاولة اغتيال جد "آبي"، نوبوسوكي كيشي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء الياباني، والذي تعرض للطعن عام 1960، بعد أن تصدت حكومته لرفض البرلمان تأمين اعتماد المعاهدة الأمنية الأمريكية اليابانية. وبموجب هذا الاتفاق، التزمت الولايات المتحدة بتوفير مظلة أمنية تحمي الأراضي اليابانية مقابل استضافة اليابان لقواعد أمريكية برية، وجوية، وبحرية. وكانت معاهدةً بين صديقين غير متكافئين؛ وأحد أهم إنجازات "آبي" كان تطويره لعلاقة ثنائية تميزت بقدر أكبر من التوازن.

وشغل "آبي" منصب رئيس الوزراء مرتين؛ استمرت الولاية الأولى من سبتمبر/أيلول 2006 إلى سبتمبر/ أيلول 2007، واستمرت الثانية من ديسمبر/ كانون الأول 2012 إلى سبتمبر/أيلول 2020، مما جعله صاحب أطول ولاية في منصب رئيس الوزراء، في تاريخ الحكومات الديمقراطية في اليابان منذ عام 1885. ورغم أنه لم يحقق نجاحا في ولايته الأولى في منصب رئيس الوزراء، إلا أن ولايته الثانية كانت ناجحة بصورة خاصة، وحققت تحولات سياسية واقتصادية.

وبعد مراجعة حكومة "آبي" الثانية لموقف اليابان بشأن مبدأ "الدفاع الجماعي عن النفس"، عززت الحكومة العلاقات مع الولايات المتحدة من خلال تمكين القوات اليابانية من حماية القوات الأمريكية في جوار البلاد. وبعد ذلك، من خلال تعزيز علاقة صداقة وثيقة مع الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، تمكن "آبي" من الحفاظ على تحالف قوي بين الولايات المتحدة واليابان خلال سنوات سياسات "أمريكا أولاً". واضطلع "آبي" بدور رئيسي في إنشاء الرباعية (أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة)، ووضع الأساس لهيكل السلام في جميع أنحاء المنطقة، وذلك من خلال دفاعه عن "حرية المحيطَين الهندي والهادئ وانفتاحهما".

وعلى المستوى المحلي، أطلق "آبي" برنامجًا اقتصاديًا، أطلق عليه اسم "أبينوميكس"، وتضمن هذا البرنامج ثلاثة "أسهم". كان السهم الأول سياسة نقدية عدوانية صُممت للتصدي لنوبة الانكماش التي طالما عانى منها الاقتصاد الياباني. إذ في أوائل عام 2013، اقترح آبي نظامًا جديدًا يهدف من خلاله إلى معالجة التضخم، وعين "هاروهيكو كورودا"محافظًا لبنك اليابان. وفُسح مجال واسع أمام "كورودا" حتى يدفع بالتضخم نحو المعدل المستهدف من خلال اعتماد سياسات نقدية فائقة التساهل.

وتمثل السهم الثاني الذي تضمنه برنامج "أبينوميكس" في اعتماد سياسة مالية مرنة،حيث تحفز الحكومة الاقتصاد خلال فترات الركود، وتشدد سياساتها خلال فترات الازدهار. ونفذ "آبي" حافزًا أوليًا كبيرًا عندما أصبح رئيسًا للوزراء في ديسمبر/كانون الأول 2012، ثم أعقب ذلك بزيادتين في معدل ضريبة الاستهلاك. وعندما ظهر تهديد كوفيد-19 خلال الأشهر الأخيرة له في منصبه، استجابت حكومته بجولة أخرى من التحفيز (وتمويل العجز). وفي نهاية المطاف، تُرجم السهم الثاني إلى سياسة "كينزية" معقولة لمواجهة التقلبات الدورية، وليس إلى مبرر لتراكم التحفيز، وهو ما تقوم عليه النظرية النقدية الحديثة.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

وكان السهم الثالث لـ"أبينوميكس"، الذي تمثل في اعتماد الإصلاح الاقتصادي الهيكلي كاستراتيجية للنمو، أكثر إثارة للجدل، حيث اعتبره العديد من المراقبين سياسة غير مكتملة، إن لم تكن فاشلة. ومما لا شك فيه أن متوسط معدل نمو الاقتصاد الياباني خلال الولاية الثانية ل"لآبي" كان مماثلاً لمتوسط السنوات العشر الماضية. ولكن في ظل حكم "آبي"، كان نمو الاقتصاد أكثر استقرارًا، كما أن البلاد تجنبت الركود الذي حدث قبل توليه لمنصب رئيس الوزراء، على الرغم من البلاد عرفت انخفاضا مستمرا في عدد السكان البالغين سن العمل.

وكان لي شرف العمل مع "آبي" عندما عينني في مجلس رئيس الوزراء للسياسة الاقتصادية والمالية، في عام 2006. وخلال رئاسته الأولى للوزراء، ركز "آبي" بصورة أساسية على الإصلاحات السياسية لجعل اليابان أقوى و"جميلة"، وهي الكلمة المفتاح في كتاب manifesto-style، الذي صدر له عام 2007. ولم تكن لديه وجهة نظر قوية بشأن السياسة الاقتصادية، لذلك طلب من المجلس وضع مجموعة من التوصيات السياساتية التي من شأنها أن تمكن الاقتصاد من استعادة إمكاناته في النمو.

وتحقيقا لهذه الغاية، أوصينا بتوسيع الاتفاقيات التي تعتمدها البلاد فيما يتعلق بالتجارة الحرة؛ وتحويل مطار "هانيدا" (الأقرب إلى وسط مدينة "طوكيو" من مطار "ناريتا" الدولي) لاستضافة الرحلات الجوية الدولية؛ وزيادة عدد العمال الأجانب في اليابان؛ وتنفيذ إصلاحات سوق العمل لإشراك المزيد من النساء وكبار السن؛ وإصلاح المعاشات العامة؛ وتوحيد بورصات الأوراق المالية والسلع. ولكن "آبي" استقال بعد عام واحد فقط، لذلك لم تنفذ وصايانا.

وعندما عاد "آبي" إلى السلطة في عام 2012، بدا أنه أكثر ثقافة وحزمًا من الناحية الاقتصادية. إذ من خلال السهم الثالث من "أبينوميكس"، تمكن "آبي" من زيادة معدل مشاركة القوى العاملة في فئة النساء ("اقتصاد المرأة") وكبار السن، ومن تخفيف متطلبات التأشيرة لجذب المزيد من العمال الأجانب والسياح. كما اضطلع بدور مركزي في التفاوض بشأن الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي حلت محلها لاحقا الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ؛ وفرض إصلاحات صندوق تقاعد الاستثمار الحكومي، مما قلل من حيازاته فيما يتعلق بالسندات الحكومية اليابانية منخفضة الفائدة بالنسبة للأسهم المحلية والأجنبية والسندات الأجنبية.

وبعبارة أخرى، استغل "آبي" مهمته في ولايته الثانية، ليبدأ من حيث توقف مجلسنا في عام 2007. وأشعر بالفخر لأنني اضطلعت بدور في هذه الإصلاحات، ولا شك أنني أتحدث نيابة عن الكثيرين عندما أقول أن موت "آبي" المأساوي والموجع- خسارة كبيرة لليابان وللعالم. وسيبقى سعيه لتحقيق الأمن القومي والإصلاح الاقتصادي خالدا في الذاكرة، وسيُتخذ مرجعا لسنوات قادمة. نسأل الله أن ترقد روحه بسلام.

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/BJl0Tmyar